«توم ياتس» روائي أمريكي شهير يستأجره الرئيس الأمريكي «فرانك أندروود» لمساعدته في الترويج لمشروعه «America works» مستخدمًا بلاغته وأدواته الخطابية، ومن ثم يتفقان على تحويل الأمر إلى سيرة ذاتية عن الرئيس. يصبح توم ياتس يومًا بعد يوم أكثر قربًا للرئيس ويرافقه في رحلاته داخل وخارج الولايات المتحدة.لم يعد الخيال مفارقًا كثيرًا للواقع، فشخصية توم ياتس رغم جاذبيتها يتضاءل دورها إذا ما قورن بالدور الذي لعبه «بن رودس» في إدارة الرئيس أوباما والذي أثار عاصفة من الجدل بعد حواره الصحفي مع النيويورك تايمز.


من هو بن رودس؟

يشغل بن رودس منصب نائب مستشار الأمن القومي لشئون الاتصالات الإستراتيجية، كما يناط به كتابة الخطابات الرئاسية. للوهلة الأولى يبدو المنصب غير ذي حيثية لكن توم ياتس لم يكن فقط مجرد كاتب خطابات الرئيس، بل كان الأداة الأهم في عملية صناعة وترويج السياسة الخارجية لأوباما.بدأ بن رودس حياته في منهاتن لأم يهودية وأب من تكساس، وكان التحول الأكبر في مساره في الحادي عشر من سبتمبر حين شاهد بعينيه انهيار البرجين، حينها قرر أن يتحول للكتابة في الشئون الدولية ثم تحول لاحقًا لكتابة الخطابات السياسية مع لي هاميلتون عضو الكونجرس الأمريكي. قضى رودس مع هاميلتون خمس سنوات يساعده في كتابة تقرير لجنة دراسة العراق وتوصيات لجنة الحادي عشر من سبتمبر.في 2007 انضم بن رودس لحملة الرئيس باراك أوباما، وشكل رودس أهمية كبيرة في هذه الحملة لخبرته الواسعه في تفاصيل الحرب على العراق ونتائجها ربما أكثر من أوباما نفسه؛ ما أعطاه صلاحية تتخطى مجرد كتابة الخطابات للرئيس ولكن أيضًا كمستشار مقرب في العديد من القضايا ومن أهمها الشرق الأوسط. وفي 2009 كتب بين رودس خطاب أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة تحت عنوان «بداية جديدة»، كما ساهم في تشكيل سياسة أوباما تجاه الربيع العربي وخصوصًا التخلي عن حسني مبارك.

http://gty.im/505141508


الروائي الذي يحرك السياسة الخارجية الأمريكية

اليوم وبعد «عامين» من المفاوضات، توصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون إلى إنجاز غير مسبوق.

باراك أوباما في 14 يوليو 2015 متحدثًا عن الاتفاق النووي

لعب بن رودس دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام الأمريكي فيما يخص الصفقة النووية الإيرانية، حيث تولى رودس سرد قصة مفادها أن التواصل الأمريكي مع إيران بدأ عام 2013 لاقتناص فرصة وجود واقع سياسي جديد بعد فوز المعتدلين بالانتخابات الديمقراطية التي تم عقدها في إيران، وأن هذا الفصيل من المعتدلين يرغب في تفكيك برنامج إيران النووي مقابل تدعيم العلاقات مع الغرب. ورغم أن أجزاء القصة قد تكون صحيحة لكن وقعها على الشعب الأمريكي كان مضللًا.

رغم أن خطاب الرئيس يبدو من الناحية التقنية صحيحًا، ولكن المفاوضات الأمريكية الإيرانية قد بدأت قبل ذلك، بل كانت أكثر فاعلية في العام 2012 قبل وصول المعتدلين إلى السلطة أصلا كما يقول بن رودس.كشف إذن بن رودس الكذبة التي حاكها البيت الأبيض وأوباما على الصحفيين والرأي العام الأمريكي؛ لم يكن الاتفاق النووي متعلقًا لا من قريب أو من بعيد بوصول المعتدلين إلى السلطة في إيران، بل كان متعلقًا برغبة باراك أوباما في إتمام هذه الصفقة بأي ثمن وأرادها أكثر مما أرادها الإيرانيون أنفسهم. لذلك مثلًا لم تذكر الصفقة التوسع الإيراني في العراق أو اليمن، ولم ترتبط بأي تعهدات إيرانية بوقف دعم «الإرهاب» في المنطقة.لكن رغم ذلك نجحت القصة التي سردها بن رودس على لسان أوباما في خداع الشعب الأمريكي.


بين رودس وأذرعه الإعلامية

لم يتوقف دور بن رودس عند صناعة القصة المحيطة بالصفقة الأمريكية الإيرانية وفقط بل امتد إلى الدفاع عنها بشكل فعال، حيث ساهم بن رودس في صناعة حساب على تويتر @theirandeal مسئول عن نشر الحقائق المتعلقة بالصفقة والدفاع عنها، وما زال إلى الآن ينشر ما تم إنجازه من الجانب الإيراني في مجال التخلي عن اليورانيوم المخصب أو منح المراقبين الدوليين صلاحية الدخول إلى المفاعلات النووية أو حتى إشادات المحللين السياسيين والصحفيين بالاتفاق.

لم يكتف بن رودس بالكذب على الشعب الأمريكي وفقط بل كان الصحفيون والمحررون أيضًا عرضة لهذا الكذب، حيث استعملهم بن رودس في الترويج للصفقة. ذَكر بن رودس في حواره مع النيويورك تايمز أسماء صحفيين ومحررين في الأتلانتك أو المونيتور ساهموا في نشر وترويج القصة التي حبكها بن رودس.كما هاجم رودس مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية واصفًا إياها بـ «الفقاعة» التي دعمت حرب العراق مثل هيلاري كلينتون وروبرت جايتس ثم عادوا يبكون على انهيار الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط. كان رودس شديد القرب لأوباما على مدار الساعة، يقول بن رودس في حواره مع النيويورك تايمز: «لا أعرف أين أبدأ أنا، وأين ينتهي أوباما». تحول بن رودس من كونه قلم الرئيس فيما يخص السياسة الخارجية إلى أن أصبح صانع سياسة حقيقي وشديد الأهمية.


تراث أوباما يحرك السياسة الخارجية الأمريكية

يتحدث «ليون بانيتا» الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية عن السياق الذي شمل الصفقة النووية وتحليل الـ CIA للداخل الإيراني في وقتها، فيقول إن النقاش حول المعتدلين والمتطرفين داخل النظام الإيراني لم يكن له وجود حقيقي، ويضيف أنهم لم يَشُكّوا أبدًا في سيطرة فيلق القدس والحرس الثوري على مجريات الأمور في إيران. ويلخص ليون بانيتا تراث أوباما في قوله: «أنا الرجل الذي سوف ينهي هذه الحروب، وآخر شيء أريد أن أبدأه هو حرب أخرى. إذا أضفت المزيد من العقوبات أو واجهت مصالحهم في سوريا فسيؤدي ذلك إلى الحرب».

لا يهم إذن عدد اللاجئين أو القتلى السوريين، أو حتى مصالح أمريكا الإستراتيجية أو دورها الإقليمي، المهم أن الجنود الأمريكيين بخير.

أما بخصوص الحرب في سوريا فيتحدث بين رودس «بكل الفخر» عن «النجاح الأمريكي» في التعامل مع الصراع هناك، فمعياره الوحيد هو عدد القتلى من الأمريكيين بسبب هذه الحرب. ودائمًا ما تظهر العراق كجواب يستخدمه بن رودس أو باراك أوباما على الوضع في سوريا. لا يهم إذن عدد اللاجئين أو القتلى من الشعب السوري، أوحتى مصالح أمريكا الإستراتيجية أو دورها الإقليمي، المهم أن الجنود الأمريكيين بخير.أيضًا عارض بن رودس المقترح الذي طرحته هيلاري كلينتون بخصوص حظر الطيران فوق سوريا لحماية الشعب السوري واصفًا هذه الخطة بأنها غير فعالة ومكلفة معللًا ذلك بقوله: «إذا كان لديك منطقة جغرافية يُحظر فيها الطيران فوق سوريا فإن الناس سوف يستمرون في قتل بعضهم البعض على الأرض. داعش لا تملك طائرات لذا هذا لا يحل مشكلة داعش، سوف تظل قادرة على قتل الناس على الأرض». يُغفل بن رودس إذن مذابح النظام السوري من خلال طائراته أو لا يهتم لها؛ فداعش هي الأولوية الأولى لأمريكا سواء بقي بشار أو رحل.

http://gty.im/456085098


أصبح من المفهوم إذن أن أوباما بدأ الحوار مع الإيرانيين بخصوص الصفقة النووية قبيل وصول المعتدلين إلى السلطة على حد وصفه، وأن جهاز المخابرات الأمريكية لم يتبنّ هذه النظرية ولم يؤكدها بل قام بنفيها، لكن البيت الأبيض قدم خطابه للأمة الأمريكية على أية حال في هذا السياق. ويبقى المشهد الأكثر غرابة وإثارة في تطورات السياسة الخارجية الأمريكية في حقبة أوباما؛ هو الحرص المتزايد يومًا بعد يوم على عدم إغضاب الإيرانيين.