لا يكاد الإسرائيليون ينتهون من انتخابات حتى تبدأ أخرى، فالانتخابات المبكرة تبدو عنوانا مألوفا لدى الإسرائيليين. ولما كان المجتمع الإسرائيلي مجتمعا غير متجانس متعدد الأعراق والأصول، كان من الطبيعي أن ينعكس تنوعه وتعدده على المشهد السياسي، فنرى حزبا لكل مجموعة. والمشهد السياسي لا يخلو من ديناميكية دائمة؛ فأحزابه دائمة التشظي والاندماج، وشعبيتها سريعة الصعود والهبوط، يكفي أن تلقي نظرة على تاريخ إسرائيل خلال عقد مضي لتتعجب كيف كان كاديما واسطة عقد الكنيست في دورته السابعة عشرة، ثم انتهي به الحال مقعدين فقط في الكنيست التاسع عشر؟! وكيف لحزب وليد يقوده إعلامي حديث عهد بالسياسة أن يصير بين عشية وضحاها ثاني أكبر أحزاب الكنيست والمتحكم الأبرز في الائتلاف الحكومي؟!

ينتخب الإسرائيليون أعضاء الكنيست المئة والعشرين انتخابا مباشرا طبقا لنظام القائمة النسبية حيث تعتبر البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة. ويشترط أن يجتاز الحزب نسبة الحسم 3.25 % ليتم تمثيله بنسبة مقاعد تماثل نسبة الأصوات التي حصل عليها.

تجري الانتخابات الكنيست العشرين في الـ 17 من مارس 2015 بعد أشهر من الشد والجذب والتهديد المستمر باللجوء للصناديق. ظل الجميع يهدد الجميع حتى سئم الجميع ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن الحل لوقف التهديدات هو تنفيذها. ولكي نفهم الخريطة السياسية الإسرائيلية عشية الانتخابات، يجدر بنا أن نلقي نظرة على أبرز الأحزاب الممثلة في الكنيست الأخير، وخريطة التحالفات فيه، وظروف انهيار الائتلاف. ثم ننتقل إلى خريطة التحالفات الجديدة، وأبرز الأحزاب الوليدة في تلك الساحة السياسية المليئة بالتقلبات والتجاذبات.


الليكود «يمين علماني»:

يتزعمه «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء.

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 18 مقعدا (خاض الانتخابات بقائمة واحدة مع اسرائيل بيتنا وحصل التحالف علي 31 مقعدا).

تشكل عام 1973 من اندماج بعض الأحزاب اليمينية، وتمكن من الفوز بانتخابات 1977 مخرجا بذلك حزب العمل من الحكومة لأول مرة منذ تأسيس دولة إسرائيل، وظل يتناوب علي رئاسة الحكومة مع العمل أو يشاركه في حكومات ائتلافية منذ ذلك الحين.

في عام 2005، وإثر قرار رئيس الوزراء أرييل شارون الانسحاب أحادي الجانب من غزة، ونتيجة للاعتراضات داخل الليكود، قرر شارون الخروج من الحزب وتأسيس حزب جديد سماه كاديما، وانضم إليه نواب من الليكود والعمل، وخلفه في رئاسة الليكود بنيامين نتنياهو الذي استقال من وزارة المالية اعتراضا علي القرار وتزعم التيار المناهض للانسحاب داخل الليكود. قاد نتياهو الحزب مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة منذ عام 2009.

لطالما كان الليكود ممثلا للجناح الليبرالي داخل تيار اليمين، ولكن مؤخرا تزايد انضمام المتدينين إلى الحزب –جزء من ظاهرة مرصودة لانضمام المتدينين إلى الأحزاب العلمانية عموما وعزوفهم عن الأحزاب الدينية التقليدية- حتي صار لهم كلمة مسموعة فيه. ويعزى ذلك إلى رغبة المتدينين عموما في لعب دور أكبر وأكثر تأثيرا في السياسة الإسرائيلية بدلا من التقوقع داخل أحزابهم التقليدية.


إسرائيل بيتنا «يمين علماني»:

يتزعمه «أفيجدور ليبرمان».

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 13 مقعدا (خاض الانتخابات بقائمة واحدة مع الليكود وحصلت القائمة على 31 مقعدا).

أسسه أفيجدور ليبرمان عام 1999 بعد انشقاقه عن الليكود. وهو واجهة سياسية للإسرائيليين ذوي الأصول الروسية. يشتهر ليبرمان بالتصريحات العدائية المستمرة ضد العرب وبخاصة الفلسطينيين وعرب الداخل، ومناداته الدائمة باستخدام القوة المفرطة ضد أعداء إسرائيل.

تولي زعيمه منصب وزير الخارجية في حكومات يرأسها الليكود، ثم ما لبث أن تركها بعد اتهامات بالفساد، ثم عاد إليها بعد أن برأته المحكمة.

خاض انتخابات 2013 في قائمة واحدة مع الليكود، ثم أعلن الحزبان فك التحالف بعد شهور مع بقاء الحزب ضمن الائتلاف الحكومي.


البيت اليهودي «يمين – ديني قومي»:

يتزعمه «نفتالي بنت».

عدد المقاعد في انتخابات 2013 : 12 مقعدا.

يمثل الحزب المتدينين الصهاينة في مقابل المتدينين الحريديم الذين يمثلهم حزبا شاس ويهودوت هتوراه. ويعرف بمناصرته الشديدة للحركة الاستيطانية ورفض المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ومنع عودة اللاجئين، كما يعرف بمعارضته الشديدة لإطلاق سراح الأسرى العرب من السجون الإسرائيلية حتى أن بينت هدد مرارا بالانسحاب من الائتلاف الحكومي حال قررت الأخيرة إطلاق سراح فلسطينيين.

تأسس عشية انتخابات 2006 من اندماج بعض الأجزاب الدينية، وحصد آنذاك تلاثة مقاعد. وكاد الحزب يختفي من المشهد السياسي لولا أن تزعمه الشاب نفتالي بينت الذي كان مديرا لمكتب نتنياهو في الليكود سابقا. قاد بينت الحزب للفوز بـ 12 مقعدا في انتخابات الكنيست التاسع عشر، وانضم للائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو، وتولى بينت وزارة الاقتصاد وعمل على تعزيز الاستيطان في الضفة والقدس ما كان أحد أسباب النزاع بين شركاء الائتلاف الحكومي، الأمر الذي أدى إلى انهياره في النهاية. حتى قال البعض أنها حكومة نفتالي بينت برئاسة نتنياهو.


شاس «يمين – ديني»:

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 11 مقعدا.

بقيادة «آرييه درعي».

أسسه حاخام يهودي من أصل عراقي عام 1984 ممثلا لليهود المتدينين -الحريديم- ذوي الأصول الشرقية «السفارديم» في مواجهة احتكار نخبة اليهود الغربيين «الأشكيناز» للسلطة ومواقع النفوذ. أنشأ العديد من المؤسسات التعليمية والخدمية، وسعى خلال مشاركته في حكومات ائتلافية مع أحزاب اليمين إلى تأمين الدعم الحكومي المالي لهذه المؤسسات.


حزب التوراة اليهودية الموحدة (يهودوت هتوراة) «يمين – ديني»:

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 7 مقاعد.

يمثل الحزب اليهود الغربيين المتدينين. ويمثل مع شاس قاعدة الدعم لطائفة اليهود المتدينيين «الحريديم» في المجتمع الإسرائيلي. وهي تحاول من خلال صفقاتها مع الأحزاب الكبرى ضمان امتيازات اليهود المتدينين وخاصة فيما يتعلق بالإعفاء من الخدمة العسكرية، كما تعمل علي ضمان استمرار المساعدات الحكومية لمؤسساتها الاجتماعية والتربوية.

حاول نتنياهو أثناء مفاوضاته مع الكتل السياسية لتشكيل حكومته بعيد انتخابات 2013 أن يضم شاس ويهودوت هاتوراة إليها سعيا وراء توسيع القاعدة النيابية لحكومته داخل الكنيست. رفضت أحزاب ييش عتيد والبيت اليهودي ضم الحزبين الدينيين للحكومة. وفشلت محاولات نتنياهو في التوصل لحلول وسط فيما يتعلق بمسألة تجنيد اليهود الحريديم. وانتهى الأمر بخضوع نتنياهو لرغبة ييش عتيد وتم إقرار قانون يفرض عقوبات جنائية علي الحريديم المتخلفين عن الخدمة العسكرية.


ييش عتيد (هناك مستقبل) «وسط»:

يتزعمه «يائير ليبيد» (مقدام برامج سابق).

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 19 مقعدا.

بين عشية وضحاها تحول يائير ليبيد مقدم البرامج الشهير بالتليفزيون الرسمي إلى زعيم ثاني أكبر أحزاب الكنيست. يطرح الحزب نفسه بوصفه معبرا عن الطبقة الوسطي في المجتمع الإسرائيلي. جاء تأسيس الحزب بعد احتجاجات شهدتها إسرائيل لأسباب اجتماعية واقتصادية، أحسن استثمارها في خطابه السياسي في انتخابات الكنيست في 22 يناير 2013. وحصل على 19 مقعدا مما جعله قوة سياسية أساسية في أول مشاركة انتخابية له، فهو من ناحية تبنى مطالب الطبقة الوسطي في احتجاجات عام 2011 التي طالبت بالإصلاح الاقتصادي، ومن ناحية أخرى شدد على رفض استثناء أبناء التيار الديني الحريدي من الخدمة العسكرية بحجة تفرغهم للتعليم الديني، فقد أدرك مدي الغضب الذي يعتمل في قلوب أبناء الطبقة الوسطي من الحريديم الذين يتمتعون بالعديد من المزايا الاقتصادية في الوقت الذي يستثنون فيه من أداء الخدمة العسكرية.

ولأن أحزاب شاس ويهودوت هاتوراة تلعب دور بيضة القبان عند تأسيس أية حكومة، وبالتالي تتمكن من ابتزاز الحكومات المتعاقبة لتأمين تلك الامتيازات للمتدينين، وضع الحزب فيتو على انضمام تلك الأحزاب للائتلاف الحكومي.

ينادي الحزب دائما بتقديم إسرائيل لتنازلات فيما يتعلق بملف الاستيطان والمفاوضات سعيا وراء تحسين صورة إسرائيل لدى المجتمع الدولي وتلطيف علاقاتها «المتوترة» مع الولايات المتحدة. فالمشروع الاستيطاني في عيون الأوروبيين هو نوع من الطراز القديم من الاستعمار وهو ما يؤدي إلي انتشار كراهية إسرائيل في العالم الغربي.


كاديما (إلى الأمام) «وسط »:

عدد المقاعد في انتخابات 2013: مقعدان.

في عام 2005، وإثر قرار رئيس الوزراء آنذاك آرييل شارون الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وعلي خلفية اعتراضات شديدة قادها نتنياهو الذي استقال من وزارة المالية اعتراضا علي الخطة، قرر شارون الخروج من الليكود وتأسيس حزب كاديما. وانضم إليه مجموعة من أعضاء الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عدد من أعضاء الكنيست معظمهم من حزبي الليكود والعمل، وأبرزهم: شمعون بيريز من العمل، وإيهود أولمرت وتسيبي ليفني من الليكود.

رغم غياب شارون المفاجئ عن المشهد السياسي، تمكن كاديما من حصد مركز الصدارة في انتخابات عام 2005، فشكل مع العمل وشاس حكومة برئاسة زعيمه أولمرت. وأمام الإخفاقات الإسرائيلية في حرب لبنان وتقرير لجنة فينوجراد الذي صب اللعنات على أداء الحكومة أثناء الحرب، ومع سيطرة حماس علي القطاع، ثم ما كشفت عنه من كثير من قضايا الفساد ضد أولمرت، أعلن الأخير عدم ترشحه في الانتخابات الداخلية للحزب، لتتمكن تسيبي ليفني وزيرة الخارجية أنذاك من حصد مركز الزعامة.

وفي انتخابات 2009، ورغم تمكن كاديما من حصد مركز الصدارة بـ 28 مقعدا بفارق مقعد واحد عن الليكود، إلا أن إخفاق ليفني في تشكيل الحكومة لصالح تحالف «نتينياهو – ليبرمان» ورفض ليفني المشاركة في الحكومة دون قيادتها -بعكس حزب العمل الذي قبل به في موقف براجماتي استهجنته ليفني- انتقل كاديما إلى موقع المعارضة. وإثر فوز شاؤول موفاز بمنصب رئيس الحزب، قررت ليفني الانشقاق عن كاديما وأسست لحزب جديد هو حزب الحركة «هتنوعاه». تراجعت شعبية كاديما ففشل في انتخابات 2013 ولم يتمكن من اقتناص أكثر من مقعدين، ومن ثم أعلن شاؤول موفاز اعتزاله الحياة السياسية.

تبدو احتمالية تلاشي كاديما من الخريطة السياسية الاسرائيلية علي الأقل في المدى المنظور هي الأقرب، في ظل توجه الكتل الانتخابية للوسط وإلى الأحزاب الناشئة كهتنوعاه وييش عتيد وحزب كولانو الجديد بقيادة موشيه كحلون الذي يخوض الانتخابات لأول مرة متوقعا أن يكون مفاجأة الانتخابات.


حزب الحركة (هتنوعاه) «وسط»:

تتزعمه «تسيبي ليفني».

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 6 مقاعد.

بعد خروج كاديما من الحكومة إثر انتخابات عام 2009، ورغم حصول قائمته على أعلي الأصوات بفارق مقعد واحد عن الليكود، فشلت ليفني في التوصل إلى اتفاق مع الكتل السياسية الأخرى يتيح لها قيادة حكومة ائتلافية. ومن ثم انتقل كاديما إلي صفوف المعارضة لصالح الليكود الذي قاد ائتلافا حكوميا. وعلي إثر خسارتها في الانتخابات الداخلية للحزب لصالح شاؤول موفاز، قررت ليفني الاستقالة من الحزب والكنيست وعادت للحياة السياسية بحزب جديد أسمته حزب الحركة.

تمكن الحزب من الفوز بستة مقاعد في انتخابات 2013 لينضم للائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو، في مقابل مقعدين لكاديما الذي انحسرت شعبيته فلم يتمكن من الحصول سوى على مقعدين فقط. يخوض هتنوعاه انتخابات الكنيست العشرين 2015 ضمن تحالف مع حزب العمل تحت اسم المعسكر الصهيوني.


العمل «يسار»:

يتزعمه «إسحاق هرتسوغ».

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 15 مقعدا.

يعد أكثر الأحزاب حضورا في السلطة في إسرائيل، فقد تولى الحكم منذ تأسيس الكيان عام 1948، وحتى هزيمته أمام حزب الليكود في انتخابات عام 1977. يخوض الحزب انتخابات الكنيست القادمة ضمن تحالف مع حزب الحركة تحت اسم المعسكر الصهيوني.


ميرتس «يسار»:

عدد المقاعد في انتخابات 2013: 6 مقاعد.

تتزعمه «زهافا غلئون».

يعتبر أكثر الأحزاب تسامحا مع عرب 48، ويطالب بالمساواة الكاملة بين مواطني إسرائيل. يرفض يهودية الدولة ويطالب بدولة علمانية على مسافة متساوية بين الأديان. عارض ميرتس حملات العدوان الإسرائيلية علي الفلسطينيين. ويطالب باقرار السلام مع الفلسطينيين عبر المفاوضات. كما يدعو إلى اتفاق سلام مع سوريا تنسحب بموجبه إسرائيل من هضبة الجولان.

يتهم اليمين الاسرائيلي ميرتس بالانحياز دوما للعرب على حساب دولة اسرائيل، إلى الحد الذي دفع أنصار اليمين إلى إطلاق فيلم دعائي يحذر من وصول داعش إلي القدس حال وصول ميرتس للسلطة!

وقد رفضت كتلة ميترتس مؤخرا منع النائبة العربية حنين الزعبي من الترشح للكنيست، وهو الطلب الذي تقدم به حزب ليبرمان وأقره غالبية أعضاء الكنيست –قامت المحكمة العليا الاسرائيلية فيما بعد بإلغاء قرار المنع. كما يحمل الحزب نتنياهو مسئولية فشل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.


الأحزاب العربية:

يمثل العرب داخل إسرائيل 20 % من السكان. وهم ينحدرون من حوالي 150 ألف فلسطيني بقوا في أراضيهم لأسباب مختلفة بعد هزيمة العرب في حرب 1948.

منحت إسرائيل العرب حق المواطنة شكليا علي الأقل مع الإبقاء على أوجه التمييز والاضطهاد المختلفة ضد العرب؛ ومن ثم صار للعرب حق التصويت في انتخابات الكنيست. في البداية لم يكن مسموحا للعرب بتشكيل الأحزاب أو حتى الانضمام إلى الأحزاب الصهيونية القائمة، ثم خففت تلك القيود تدريجيا حتي سمح لهم بتشكيل أحزاب والترشح للكنيست على قاعدة احتواء المعارضة داخل المؤسسة.

عانت الأحزاب العربية دوما من التشتت ومحدودية التأثير؛ لكنها اضطرت للتوحد ودخول الانتخابات بقائمة واحدة لأول مرة في تاريخها بعد أن قرر الكنيست رفع نسبة الحسم إلى 3.25 %. وترفض الأحزاب العربية بشكل تقليدي الدخول في ائتلافات حكومية، ولكنها لا تمانع من تأمين الدعم لبعض أحزاب اليسار أو الوسط في مقابل أحزاب اليمين واليمين المتشدد.

وقد حصدت الأحزاب العربية 11 مقعدا في الكنيست التاسع عشر وزعت كالتالي:

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة: 4.

القائمة العربية الموحدة: 3.

التجمع الوطني الديمقراطي: 3.

الحركة العربية للتغيير: 1.