محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2017/03/23
الكاتب
فيفك شيبر وجيسون فاربمان
على الرغم من التهديد بالتشغيل الآلي للمكاتب وضعف العمل المنظم، لايزال العمال يمسكون بزمام الأمور للفوز بالتغيير الاجتماعي

بالتزامن مع الطبعة الثانية من دراستنا التمهيدية للتاريخ وممارسة الأفكار الاشتراكية «مبادئ الاشتراكية»، فإن كتب جاكوبين وفيرسو تستعرض مجموعة من المحادثات مع المشاركين في الدراسة. أولها كانت محادثة مع جيسون فاربمان وفيفك تشيبر، أستاذ علم الاجتماع في جامعه نيويورك ومؤلف «نظرية ما بعد الكولونيالية وشبح رأس المال»، حول سبب حديث الاشتراكيين عن «الطبقة العاملة» كثيرا.

في هذه النسخة المحررة من النصف الثاني من حديثهما، يناقش كل من تشيبر وفاربمان الثبات والتكوين المتغير للطبقة العاملة، وكيف ينبغي أن يفكر الاشتراكيون في النقابات، وكيف يمكن لليسار الخروج من المخيمات الجامعية والدخول في أماكن العمل والشوارع، وأكثر من ذلك.

في البديهيات الخاصة بك، تقول إن الرأسمالية لا تستطيع أن تفي بوعودها. وعندما يصبح نقد الرأسمالية من المناقشات الرئيسية، فإنه عادة ما يجادل بأن «الرأسمالية المتأخرة» قد خرجت عن السياج، أو أن الرأسمالية ليست هي المشكلة لكنها النيوليبرالية – بعض البدائل للرأسمالية التي تعيث في الأرض فسادا.

ما تقوله هو أن الرأسمالية حتما ستنتج الظلم، ونتيجة لذلك ستؤدي حتما إلى نشوب الصراع الطبقي.

هناك طريقتان للنظر في هذا الأمر. أنت محق أن كلمة السر لكل شيء أصبحت الليبرالية الجديدة. وقد أصبحت ركنا لأي شيء يعد تحليلا حقيقيا للمجتمع الحديث.

ويرجع ذلك جزئيا إلى أن معظم الخطابات اليسارية تهيمن عليها المنظمات غير الربحية والأكاديميون، بينما الرأسمالية ليست كذلك. لذا فأنت بحاجة إلى شيء آخر، ومن المهم جدا أن نقول: «حسنا إنها ليست الرأسمالية التي علينا أن نقلق حيالها على هذا النحو –إنها الريغانية، إنها التاتشرية».

ليس هناك شك في أن البديل الحالي للرأسمالية هو حقا غير إنساني، وأكثر بالتأكيد من الذي سبقه. وهذا أحد الأسباب التي تجعلك لا ترى كلمة الرأسمالية كثيرا. ولكن أولا، من المهم أن نفهم أنه إذا قارنت نسخة اليوم من الرأسمالية مع مثيلتها في التاريخ، تجد أنها في الواقع ليست الاستثناء.

نحن نعود مرة أخرى إلى الشكل النقي للرأسمالية؛ إنه نظام يتم فيه إلقاء الجميع في سوق العمل، ويتم إخبارهم «اغرق أو اسبح يا رجل، الأمر متروك لك».

عصر الحصول على الدعم الاجتماعي، كنوع من التأمين الاجتماعي، للضمانات الأساسية، دولة الرفاهية – التي هي حقبة يعود تاريخها إلى حوالي الثلاثينيات والأربعينيات- كان خروجا عن القاعدة في الرأسمالية. نحن نعود أدراجنا؛ فالنيوليبرالية هي في الواقع الرأسمالية في أنقى صورها.

هناك طريقتان للنظر في هذا الأمر:

الأولى على نحو مطلق : هل الرأسمالية على المستوى المطلق تتجاهل فعلا ما يحتاجه الناس بشكل يومي؟ الجواب هو أنه في معظم أنحاء العالم هي تفعل – وتفشل.

تفشل لأن معظم العالم الآن عبارة عن مجتمع سوقي غير مستقر وهمجي للغاية. ففي الهند، والصين، وأفريقيا، والشرق الأوسط لاتزال الغالبية العظمى من الناس تعيش بالكاد على حد الكفاف، وهذا ليس بالصدفة، لأنهم ببساطة مضطرون للعمل مع أصحاب عمل لا يهتمون بشأنهم. وهكذا، فعلى نطاق مطلق، في معظم أنحاء العالم، فإن الرأسمالية تفشل.

وأما الطريقة الأخرى للنظر في هذا الأمر فعلى نحو نسبي: في بلد مثل الولايات المتحدة أو في أوروبا الغربية، فبالطبع أن الفقراء والطبقة العاملة قد حصلوا على الكثير لأنفسهم، ويعيشون في الواقع حياة كريمة جدا.

ولكن هذا يحدث فقط عندما نطرح الموضوع في نطاق نسبي – ليس فقط بالنسبة لبقية العالم، ولكن بالنسبة لكيفية المعيشة في ظل الحالة الإنتاجية، وحالة التكنولوجيا، ووضع البنية التحتية للبلد – فهل يمكن أن تكون حياتهم أفضل مما هي عليها الآن؟ الجواب هو: بالتأكيد.

وأخيرا، فإن العمال في الغرب قد حققوا حياة أفضل لأنفسهم لأنهم قد جمعوا قواهم. وسبب حالة الرفاهية في الغرب في الوقت الذي ظهرت فيه هو الصراع الطبقي الهائل والعنيف الذي تمكنت فيه الاتحادات العمالية من استخراج هذه الأنواع من التنازلات من أرباب العمل بطريقة لم تكن ممكنة سابقا.

طالما لديك الرأسمالية، ليس عليك فقط أن تقاتل من أجل كل ما لديك، ولكن أيضا الأشياء التي لديك سوف تكون باستمرار تحت التهديد من جانب أرباب العمل الذين لم يريدوا أن يعطوك إياها في المقام الأول.

هذه المعركة التي تحدثت عنها، ذلك العداء بين أرباب العمل والموظفين، مكتوب بالتبعية في النظام. أنت لن تتخلص منه. هذا هو السبب في أن الاشتراكيين قالوا إنه من الممكن أن يكون لديك رأسمالية أكثر تحضرا، وأنه عليك النضال من أجل رأسمالية أكثر تحضرا، ولكن فهمنا أنه مثل السرطان: يمكنك المداومة على العلاج الكيماوي، يمكنك محاربة نمو الخلايا السرطانية، ولكنها دائما ما تعود.


من «العامل» حقا؟

الجزء الرئيسي من الحوار هو أن العمال هم العامل الاجتماعي الثوري الرئيسي. من المهم أن نقول فعلا ما هو العامل.

الطبقة ومجموعات الدخل ليسا نفس الشيء حيث أن الطبقة هي بالأساس عن أي جانب تقف، سواء كنت أنت من يأخذ العمل أو إذا ما كان عملك يتم أخذه

في السنوات الخمس الماضية، شهدنا انفجارات هائلة في الصراع الاجتماعي. «احتلوا وول ستريت»، حيث بدأ الكثير من هذا، والذي كان رائعا حيث طرح على الخريطة فكرة الـ 1% مقابل الـ 99%، والتي كانت مفيدة حقا، حيث أصبح الملايين من الناس يتحدثون عن ثغرة واسعة؛ التفاوت الكبير في المجتمع على كل المستويات.

وفي الوقت نفسه، كرس هذا مفهوما للطبقة على أنها حول ما تقوم بجنيه من المال، وهذا ليس بالظبط ما نعنيه؛ فما هو العامل؟

لقد كان الحديث عن الـ1% مقابل الآخرين أداة خطابية فعالة جدا. وأن كل شخص من «الآخرين» يعرف بأنه فئة سلبية؛ كل من ليس من الواحد بالمائة. الافتراض والنتيجة هي أنهم ليسو فقط أسوأ حالا من الواحد بالمائة، ولكنهم يمكنهم أن يتحدوا معا بطريقة أو بأخرى كمجموعة اجتماعية فعالة.

على نطاق ضيق جدا فإن هذا صحيح: التسعة وتسعون في المائة ستكون لديهم مصالح مشتركة معينة.

ولكن نسبه كبيرة منهم لا يمكننا أن نطلق عليهم كلمة عمال. فهم يتطلعون ليكونوا مديرين، سيكونون من الناس الذين لديهم قدر كبير من الاستقلالية، الذين يمتلكون وسائل الإنتاج الخاصه بهم، وبالتالي فبالنسبة لبعض منهم – كالمديرين- فعلى الرغم من أنهم ليسوا من الواحد في المائة، فوظيفتهم هي جعل الواحد بالمائة سعداء من خلال الحصول على مزيد من العمل من أسفل ستين في المائة.

وفي حين أنهم الآن قد لا يحصلون على الكثير من المال والثروة مثل التي لدى الواحد في المائة، فإن لديهم الطموح –وسيحاولون- أن يكونوا من الواحد في المائة، لأن هناك فرصة فعلية بالنسبة لهم لتحقيق ذلك في مرحلة ما.

على قمة المجتمع رأس المجتمع، هناك لعبة الكراسي الموسيقية: أصحاب العمل لديهم مديرون، المديرون يصعدون السلم، والطريقة التي تصعد بها أعلى السلم هي عن طريق الضغط على الناس الذين في الأسفل؛ وهذا هو عملك.

لذا؛ بالنسبة لنوع الغايات التي نتحدث عنها، من إقناع الناس وجمعهم حول أجندة لدفع أرباب العمل للتخلي عن بعض من أرباحهم لزيادة الأجور وغيرها من الأمور؛ فالمديرون لن يكونوا جزءا من ذلك، ولهذا السبب لا توجد هناك نقابات تسعى لجلب المديرين، لأنهم يعرفون أنهم يجلبون في الأساس عدوا.

وهذا يعني بالتبعية أن كون لغة الدخل أو النقاط المئوية هي الحد الفاصل مفيد خطابيا، وفي نطاق ضيق لكنه ليس كذلك سياسيا ولا إستراتيجيا.

الشيء الرئيسي لتحليل الرأسمالية ليس قدر دخلك، ولكن ما عليك القيام به لكسب ذلك الدخل؛فإذا كان كل ما عليك القيام به لكسب رئاسة وإدارة أشخاص آخرين، فإنك لن تكون جزءا من تلك الحركة. لأن هذا ما يفعله المديرون.

من ناحية أخرى، إذا ما كنت مضطرا للخضوع للسلطة ولنهب هؤلاء المديرين وأصحاب العمل، فالآن قد حصلت على سبب لمحاولة محاربتهم.

هذا هو السبب أن الطبقة ومجموعات الدخل ليسا نفس الشيء. الطبقة هي بالأساس عن أي جانب تقف، سواء كنت أنت من يأخذ العمل أو إذا ما كان عملك يتم أخذه.


هل ما زال العمال موجودين؟

سؤالي التالي هو نوع من البلاغة: «هل مازال العمال موجودين؟» السبب الذي يجعلني أسأل هو أن هناك مناقشات تفيد بأن العمال قد كسبوا مكاسب مهمة في الماضي، لكنهم ليسوا قوة مؤثرة اليوم.

كل بضعه عقود، هناك هذه النظرية الجديدة التي تظهر أن الطبقة العاملة تختفي لسبب أو لآخر، وبالتالي لا صلة لها بالموضوع. نسمع أيضا أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على الصناعة، وأن التشغيل الآلي الآن قد حل محل العمال -أو قريبا سيفعل- وأننا نعيش جميعا في اقتصاد محفوف بالمخاطر.

من الواضح أن ظروف العمل آخذة في التغيير، وهذا يعني شيئا، ولكن هل يغير هذا من موقف ودور الطبقة العاملة؟

لا ينبغي أن نتسرع بقول لا. لا شيء جديد بشكل فاعل في التكوين الحالي للرأسمالية.

التنظيم أصعب بكثير، وهذا سبب بسيط لعدم محاولة نقابات العمال الحالية ضم أعضاء جدد إليها، حيث كانت إستراتيجيتهم لمدة 25 عاما هي عمليات الاستحواذ والاندماج

هذا الرأي بأن التشغيل الآلي في نهاية المطاف سوف يؤدي بالجميع إلى فقد آمالهم وجعل الإنسان الآلي يعمل على تشغيل كل شيء ليس بصحيح ولا يمكن أن يكون صحيحا. وبطبيعه الحال، فإن التشغيل الآلي يقوم بإلقاء الناس باستمرار خارج أماكن عملهم، ولكن آثار ترك هؤلاء لأعمالهم دائما ما يقابلها أمران.

الأول أنه في الاقتصاد المتنامي، إذا كانت الإنتاجية آخذة في الازدياد، ووتيرة النمو الاقتصادي دائما في صعود، والشركات الجديدة والمصانع والمباني آخذة في الظهور طول الوقت، تلك التي تستوعب العمال الذين يتم تسريحهم من العمل بسبب التشغيل الآلي. لذلك فإنها عملية مزدوجة من أناس يتم تسريحهم ثم يعاد توظيفهم من قبل الشركات الجديدة.

هذا الرأي بأن التشغيل الآلي سوف يؤدي بالجميع في نهاية المطاف إلى فقدان وظائفهم يتجاهل هذا التوازن. حيث يفترض فقط أن المصانع وأماكن العمل الحالية ستظل هي وحدها الموجودة للأبد، ومع مرور الوقت، بقيامهم بتسريح الناس، سيحاولون البحث عن وظائف في ظل عدم وجود وظائف جديدة. وذلك يتجاهل حقيقة أن هؤلاء يتم استيعابهم في أماكن عمل جديدة.

الشيء الثاني: التشغيل الآلي الذي يلقى بالناس من وظائفهم من خلال التغيير التكنولوجي، والآلات الجديدة، والعمليات الجديدة، فكل واحد من أولئك يولد الطلب على مهارات إضافية وعمال إضافيين لمواصلة إنتاج تلك التكنولوجيا، وتشغيلها، وجعلها أفضل.

التغيير التكنولوجي يولد مهنا جديدة طوال الوقت. لذلك دائما فإن هذه العملية الديناميكية تقوم بتسريح الموظفين من ناحية وتهيئ الظروف لهم ليتم استيعابهم في مواقع جديدة من ناحية أخرى.

المهم في الأمر هو أن كل شيء يعتمد على معدل تفاعل هاتين العمليتين.

في الوقت الراهن، فإن مخاوف التشغيل الآلي التي تؤدي إلى الفقر وبطالة جماعية، وهي أنه في السنوات الخمس عشرة إلى العشرين الماضية، كانت سرعة توليد العمالة الجديدة بطيئة -كانت وتيرة خلق فرص العمل الجديدة بطيئة للغاية في واقع الأمر- ولأنها بطيئة، فإننا نرى الناس الذين يتم تسريحهم إما لا يستطيعون الحصول على وظائف، أو يقومون بأعمال مزعجة، والعمل المؤقت هنا وهناك.

وهذا يرتبط مع حقيقة أننا لا نرى القوة الحقيقية للتشغيل الآلي، فإن أنيابها العارية مرئية أخيرا.

ويرجع ذلك إلى حقيقة أن هذه الحقبة لرأسمالية في الغرب قد أضحت تحقق معدلات نمو بطيئة جدا، ومستويات منخفضة جدا من إعادة الاستثمار، وبالتالي مستويات منخفضة جدا من إعادة توظيف العمال الذين يتم تسريحهم من العمل. ولهذا تصح تلك الحقيقة من ناحية أن هذا يغير شروط تنظيم الناس.

عندما يكون الجميع متأكدين من فرصة العمل لأنهم أقل خوفا من رئيسهم، عندها يصبح من الأسهل تنظيم الناس. إن ما نخوضه الآن هي الفترة التي يشعر فيها الناس بالذعر الشديد، والهزيمة في وظائفهم، لدرجة أنهم يخشون رفع أياديهم في أماكن عملهم بدرجة أكبر مما كانوا عليه من ستين أو ثمانين أو حتى أربعين عاما مضت.

وهذا يعني أن التنظيم أصعب بكثير، وهذا سبب بسيط لعدم محاولة نقابات العمال الحالية ضم أعضاء جدد إليها. كانت إستراتيجيتهم أساسا لمدة خمسة وعشرين عاما هي عمليات الاستحواذ والاندماج: أن تقتحم نقابات أخرى، حيث تذهب إلى الجامعات لأن الطلاب منظمون بالفعل، وتقول منظمة عمال السيارات: «انظر، نحن ننظم لأننا جلبنا مجموعة من الطلاب الخريجين إلى اتحادنا».

إنها أصعب بكثير من المشي في مصنع سيارات وتنظيم العمال، ليس فقط لأن أرباب العمل لديهم الكثير من السلطة على العمال – فإن العمال أنفسهم قلقون للغاية من عواقب اتخاذ خطوة، لأنهم يعرفون أنها صحراء بالخارج.


النقابات العمالية التي تجاوزها الزمن

عندما نتحدث عن الطبقة العاملة على أنها عامل ثوري للتغيير، يبدو الحديث بعيدا جدا عما نحن عليه الآن بالتأكيد بعد أربعين عاما من التراجع والهجوم الطبقي من جانب واحد.

الاشتراكيون دائما ما يدعمون النقابات العمالية. ولكن الحركة النقابية تعاني كثيرا؛ ففي كل عام في هذا البلد، تنخفض كثافة النقابات إلى مستوى جديد، وينخفض نشاط الإضراب إلى مستوى جديد.

معظم النقابات الآن في هذه المرحلة يديرها البيروقراطيون الذين لا يهتمون في الواقع بتنظيم عمالهم بقدر اهتمامهم بعقد صفقات في المقام الأول مع القليل من المشاركة النقابية. كيف يتعامل الاشتراكيون مع النقابات مع كل ما يجري؟

ما نسأله هنا هو أنه قد يكون هناك سبب ما للتركيز على العمال، ولكن هل الاتحادات هي أفضل وسيلة للنقابات لتحقيق ذلك بالنظر إلى وضعهم في الوقت الراهن؟

أولا وقبل كل شيء، نحن بحاجة لأن نكون مرنين بخصوص هذا الشأن. النقطة الرئيسية هي: تذكر أنها ليست قضية أخلاقية في حد ذاتها. إنها مسألة عملية، أي كيف تجلب الرأسماليين إلى الطاولة ليقولوا: «حسنا، سنقدم لك شيئا؟».

وعلينا أن نكون منفتحين على حقيقة أنه مع تطور الرأسمالية، ربما تظهر إمكانيات جديدة لكيفية الجمع بين الفقراء؛ ثمة مساحة أكبر للسياسة الانتخابية اليوم بسبب الدور الرائع الذي تلعبه الدولة في توزيع الدخول. قد تكون الأحياء السكنية التي يقطن بها العمال في غاية الأهمية، حيث يمكنهم تجميع أنفسهم في أعداد أكبر في حين قد لا يكون ذلك بنفس السهولة في أماكن العمل. علينا النظر إلى كل تلك الأمور بالتأكيد.

ولكن حتى يكون لدينا سبب عملي وخبرة عملية مع تلك الأشكال الأخرى من التنظيم، وغيرها من أشكال تجميع المصالح، فلا أرى وسيلة للالتفاف حول بقاء النقابات كآلية محورية وأداة داخل الإستراتيجية اليسارية.

إذا كنت تستطيع العثور على واحد أفضل؛ عظيم، فأخبرني– أنا سوف أساعدك على الإعلان عن الشيء. لم أكن قادرا على رؤية واحدة في أي مكان، وكانت السنوات العشرين الماضية تجربة مثيرة للاهتمام في هذا الطريق.

في السنوات الخمس المنقضية وحدها رأينا حشدا للجماهير في جميع أنحاء العالم. في الشرق الأوسط الذي أسقط بعض الأنظمة، في البرازيل، في الهند حيث أنتمي، في الولايات المتحدة. الشيء المشترك بينهم هو أنه على الرغم من أن العمالة المنظمة قد لعبت درجات متفاوتة من الأدوار في كل منها، فإنها لم تكن حقا في قلب أي منها.

الشيء الثاني المشترك بينهم هو أنهم انتهوا جميعا إلى الفشل. كان لديهم الكثير من الناس يخرجون إلى الشوارع، وبينما كانوا في الشوارع فقد جعلوا المشهد عظيما. لكن لم يكن لديهم الكثير ليقدموه في نهاية الأمر.

حركة «احتلوا» هي مثال جيد جدا على ذلك؛ كانت حركة رائعة، وكانت الانطلاقة التي أوجدت الكثير من الحشود الحالية، لكن الفرق بين احتلال مصنع واحتلال حديقة هو أن الناس في الحديقة لابد لهم من العودة إلى ديارهم، بالطبع سيفعلون في مرحلة ما، وهذا ما ينتظره «الصفوة» لأن الإنتاج مستمر، وتحقيق الأرباح مستمر دون أي انقطاع . لكن الاحتجاجات في المصانع هي شيء مختلف تماما.

بدون إيجاد طريقة ما لجمع العمال معا من خلال اتحاد؛ فأنا لا أعرف أي طريقة أخرى لفعل ذلك.

ومن الصحيح تماما أن الحركة النقابية اليوم لا تبدي اهتماما بهذا. فهي لا تظهر أى اهتمام بالنضال ولا بالسعي لتحقيق الأهداف التي كانت الحركة العمالية تسعى لها في الماضي. وهذا يعني بالنسبة لي أن لديك الأفضل، هذا كل شيء. إنه مثل قول إن العلاج لهذا المرض لا يعمل على نحو جيد، ولكن حتى تجد علاجا مختلفا فلابد أن تستمر في استخدام ذلك .

من الصعب جعل هذه القضية اليوم في مقاعد اليسار لأن هناك عددا قليلا جدا من العمال الذين يأتون من محيط مقاعد اليسار. ومن الصعب جعل قضية العمال مهمة، لأن الكثير من الناس في مقاعد اليسار هم طلاب وأكاديميون، ويريدون الحديث عن أشياء غريبة. ولكن أنا لا أعرف أي طريقة للالتفاف حول ذلك.

لذلك في حين يجب أن نكون واضحين جدا وغير عاطفيين حول مكان الحركة العمالية اليوم، وأن نكون على بينة من كل عيوبها والتزاماتها. وحتى نجد بديلا عمليا؛ يبدو لي أن الخيار الوحيد الذي لدينا هو جعل المؤسسات القائمة تعمل على نحو أفضل بدلا من التخلي عنها.


العمال ليسوا ملائكة

من الصعب جعل قضية العمال مهمة، لأن الكثير من الناس في مقاعد اليسار هم طلاب وأكاديميون، ويريدون الحديث عن أشياء غريبة

العمال ليسوا بمنأى عن الأفكار السائدة في المجتمع: قبول الأفكار العنصرية، الأفكار الجنسية، كل الأفكار التي تقسم العمال، والتي بطبيعة الحال لا تساعد على تشكيل هذه المجموعات التي يمكن أن تمارس السلطة. ويمكن أن تكون النقابات وسيله لمكافحة تلك الأفكار، في بعض الأحيان تفعل، ولكن في كثير من الأحيان لا تفعل.

المشكلة اليوم ليست فقط أن الحركة العمالية أكثر تحفظا وعنصرية، ولكن أيضا أن الناس الذين يطلقون على أنفسهم اشتراكيين ليس لهم علاقة بالعمل

لديك النقابات اليمينية مثل مهن البناء على سبيل المثال، التي تدعم التوقيع التصويت لصالح قومية ترامب، لأنهم يعتقدون أنها من الممكن أن توفر لهم القليل من فرص العمل على المدى القصير. نحن بحاجة إلى معرفة كيفية التغلب على هذا، ولكن ثمة صعوبة هيكلية هنا.

هناك صعوبتان. اسمحوا لي أن أقول هذا أولا: تاريخ الحركة النقابية ليس خطا واحدا. إن تاريخ الحركة النقابية، ليس فقط هنا، ولكن في كل مكان، كان نوعا من الصراع الداخلي حول شكل وأهداف هذه النقابات.

كان هناك دائما جناح محافظ، يحاول تضييق نطاق القضايا التي يتناولونها، والتركيز ببساطة على نقاط القوة لدى الأكثر مهارة، والأكثر تميزا، وبالتالي في بعض الأحيان الأكثر تحفظا، ومراكمة القوة عن طريق احتكار الموارد النادرة. وهذا ما صرنا إليه ثانية اليوم.

لكن حتى في هذا البلد، وفي أماكن أخرى، هناك بالفعل تقليد طويل جدا ونبيل من النقابيين يقاتلون من أجل رؤية أوسع وأكثر شمولا لماهية الحركة العمالية. في الولايات المتحدة، في العشرينيات من القرن الماضي والثلاثينيات والأربعينيات، الشيوعيون والاشتراكيون والفوضويون قاتلوا من أجل هذه الرؤية، وحققوا نجاحا كبيرا في القيام بذلك.

ومن أعظم وأهم الموروثات من ذلك أنه في العشرينيات والثلاثينيات أثناء التمييز العنصري بين البيض والسود، هو وجود الشيوعيين البيض والنقابيين البيض الذين كانوا يخاطرون بحياتهم لتنظيم العمال السود مع المزارعين السود، الذين رأوا بعضهم البعض كرفاق. وقد استلهم ذلك من رؤية خاصة جدا لكيفية تنظيم العمال.

تلك الرؤية فقدت، ويرجع ذلك جزئيا إلى الحرب الداخلية داخل الحركة العمالية في الثلاثينيات والأربعينيات، وإلى أن الدولة الأمريكية نزلت إلى جانب الجناح الأكثر تحفظا من الحركة العمالية من أجل التأكد من عدم فوز اليسار –الشيء الذي تجلى في المكارثية، التي لم يتعاف اليسار منها مطلقا.

لكننا بحاجة إلى التحقيق في ذلك، ونكون على بينة به، وعلى اليسار أن يصمد بفخر ويقول: «هذا هو ما نطمح إليه» . وهذا شيء أعتقد أننا يمكن أن نعود إليه اليوم.

وهذا يقودني إلى المشكلة الثانية، وهي كالآتي: لا يوجد شيء تلقائي في الحركة العمالية من شأنه أن يدفعها نحو رؤية أكثر شمولا لكيفية التنظيم. في الواقع، هناك العديد من الأسباب التي تجعل من المنطقي اتخاذ الطريق القصير الأجل، الطريق الأكثر تحفظا – التركيز على عنصريتهم، التركيز على انتمائهم العرقي، إبقاء المرأة بعيدا، لأن ذلك أسهل. وإنه لمن الصعب الخروج ورتق تلك الانقسامات.

في الماضي كان اليسار الاشتراكي الملتزم أيديولوجيا الذي جاء إلى النقابات وحارب من أجل ذلك. المشكلة اليوم ليست فقط أن الحركة العمالية أكثر تحفظا وعنصرية، لديها هذه الأيديولوجية الحصرية، ولكن أيضا أن الناس الذين يطلقون على أنفسهم اشتراكيين ليس لهم علاقة بالعمل، ولكي نكون صادقين، فإن الكثير منهم ببساطة غير مهتمون، بسبب سيطرة اليسار على الجامعة والحرم الجامعي.

إلى أن يخرج اليسار خارج الحرم الجامعي، خارج قاعة الندوات، حتى يبدأ في فتح مكاتب في أحياء الطبقة العاملة، ويولد وظائف، إلى أن يزرع نفسه في العمل كما كان الحال دائما حتى السبعينيات والثمانينيات؛ ليس لديك أي وسيلة لجلب هذه الرؤية البديلة للتنظيم في الحركة العمالية، وهذا سيجعل من الصعب التحرك نحو شكل أكثر شمولا وأكثر عالمية من النضال الطبقي.