مع نسيم ليلة هادئة من ليالي الربيع، تبدو الأمور على ما يرام حتى هذه اللحظة، لم يكن في الحسبان أنه بعد لحظات قليلة ستهب رياح عاتية، حيث استحال النسيم إلى عواصف هادرة آتية من كل حدب وصوب، والليلة الهادئة أضحت ليلة إسرائيل «الحمراء»، فيما وصفتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية حينها بأنها: «الحرب الإلكترونية الأكبر في تاريخ البشرية».

فقد تم اختراق عشرات الآلاف من الحسابات الإسرائيلية، منها مواقع أمنية حساسة، وحسابات شخصية لمسئولين، وعدة قنوات تلفزيونية.

لم تكن تلك هي الليلة الأولى التي أرّقت مضاجع المسئولين الإسرائيليين، فقد شهدت تل أبيب أيامًا وليالي على هذا المنوال، عنف من غير دماء، يُشن على إسرائيل، ضحاياه مواقع إلكترونية ورموز سيادية.

ففي عملية ضخمة أُطلق عليها OpIsrael، في 7 إبريل/نيسان عام 2013، ردًا على جرائم الاحتلال وانتهاكاته، تمكنت مجموعة من «الهاكرز» من اختراق وتدمير صفحات ومواقع حساسة، منها مواقع أمنية وبنوك، وعشرات آلاف الحسابات الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي قُدرت بـ 40 ألف صفحة وحساب.

وقد تم اخترق مواقع أمنية حساسة بينها موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية، وموقع الموساد، إضافة إلى مواقع كل من رئاسة الوزراء ووزراه التجارة والصناعة، ومواقع كل من: البورصة الإسرائيلية، وشئون المحاكم التابع لما يسمى وزارة العدل الإسرائيلية، وشرطة حيفا، وشرطة تل أبيب، إضافة إلى بعض المواقع الإخبارية.

كما جرى نشر وثائق سرية تتضمن أسماء عملاء مجندين لصالح الموساد بينهم عرب، وبيانات عن ضباط صهاينة ومستوطنين على مواقع الإنترنت، إضافة إلى بيانات بطاقات ائتمان وحسابات مصرفية، كما جرى سحب بيانات وزارة التجارة والصناعة.

مشهد أقرب لحالة «حرب إلكترونية»؛ دفعت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، «بيني غانتز»، إلى القول:

معركة إسرائيل المستقبلية قد تبدأ بهجوم إلكتروني.

حروب المستقبل

تعتبر «الحرب الإلكترونية» نوعًا جديدًا من الحروب ينشب بين أفراد فاعلين ودول بأكملها، يتم تهديدها من أشباح عائمين في الفضاء الإلكتروني، وهو من أبرز ثمار ثورة تكنولوجيا المعلومات.

نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي، آفي ديختر، أن تهديد الحروب الإلكترونية بات التهديد المركزي للقرن الجديد.

وأضاف أنه سيكون من مهام اللجنة الحكومية المخصصة لمواجهة الحروب الإلكترونية تقييم مخاطر هذا التهديد من اعتبارات مدنية وسياسية، إلى جانب الاعتبارات الأمنية، والعمل على إشراك المجتمع الدولي في هذه الحرب الإلكترونية التي تواجهها إسرائيل.

إذن فإن سباق التسلح «السايبري» قد بدأ، وهذا ما عكسه مقال مطول نشرته مجلة «إسرائيل ديفينس» للجنرال نيتسان نوريئيل، الرئيس السابق لهيئة مكافحة الإرهاب بمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، قال فيه: «إنه رغم ما تمتلكه إسرائيل من قدرات تقنية تجعلها قادرة على التصدي لأي تهديد إلكتروني، فإن الخطر الأكبر الذي يحدق بها في هذه المرحلة يتعلق بحروب (السايبر) الإلكترونية العابرة للحدود».

من الممكن لهذا النوع الجديد من الحروب العالمية غير مقتصرة على إقليم محدد، أن ينهي الحروب التقليدية على الأرض، فيقول موسكوفيتش، رئيس وحدة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الجيش الإسرائيلي، إنه خلال السنوات القادمة يمكن التنبؤ، بدرجة احتمال عالية، بعدم نشوب حرب بين جيوش تقليدية مثلما كان يحدث في السابق، ويضيف «حتى الدول العظمى لن تقوم باحتلال مناطق بشكل مكشوف».


تخوفات إسرائيلية

الحرب الإلكترونية تؤرق إسرائيل، حيث دق الخبراء هناك ناقوس الخطر من هذا النوع من الهجمات. وأكثر ما يثير الذعر في إسرائيل هو أن تتعرض لهجمة إلكترونية تستهدف بشكل مباشر مرافقها الإستراتيجية المرتبطة بالفضاء الإلكتروني، مثل البنى التحتية (الكهرباء والمياه والمواصلات، والقطاع المصرفي)، وهيئات القيادة وشبكات التحكم العسكرية، والأقمار الصناعية، وكذلك مجمل التقنيات المتقدمة المرتبطة بهذا الفضاء.

كما أن منظومة التحكم بالكهرباء والمياه والشئون المدنية والاقتصادية والبنوك وغيرها، تدار بالمنظومة الإلكترونية الشاملة، وأي اختراق من شأنه تعطيل الشبكة التي يتم التعرض لها ومهاجمتها.

وتنطلق إسرائيل من افتراض مفاده أنه كلما تعاظمت درجة توظيف التقنيات المتقدمة في تشغيل مرافق البنى التحتية والمؤسسات العسكرية والمدنية الحساسة، زادت فرص انكشافها أمام الهجمات الإلكترونية؛ مما ينتج عنه شلل تام في المرافق، بل يمكن أن تؤدي أيضًا إلى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين.


جيش فلسطين الإلكتروني

الرسالةُ الآن أصبحت واضحة، لقد وصلنا إلى تل أبيب بصواريخ المقاومة، والآن نصلكم إلى منازلكم، ستُهزمون.

هذه نص رسالة نُشرت بعد نجاح الاختراق الفلسطيني لعدة مواقع إسرائيلية، حيث تعمل مجموعات القراصنة الفلسطينية، بنمط غير منظم في أغلب الأحيان، بمعنى أنهم لا يمتلكون تنظيمًا شهيرًا كمجموعة «أنونيموس» العالمية مثلًا، لكنهم يعملون على مستوى خلوي بسيط، مجموعات صغيرة تعمل بغير انتظام، وتجتمع على هدف مشترك.

كما يعمل المخترقون الفلسطينيون، في ظل إمكانات ضئيلة، فالأجهزة ليست بالمتطورة، ومن ثم لا تستطيع مواكبة الإسرائيليين، الذي يمتلكون أحدث التقنيات والاتصال الشبكي، ومع ذلك أقام مناهضو الاحتلال الإسرائيلي عدة مجموعات على المستوى المحلي الفلسطيني، وكذلك على مستوى المحيط العربي والعالمي، منها:

1. مجموعة «أنونيموس العرب»: وهي المجموعة التي نفّذت هجوم OpIsrael، رافعةً شعار «لا سلام مع بني صهيون»، ووقد كلّفت الاحتلال حينئذ خسائر تُقدر بالملايين، وتضم هذه المجموعة فرق «هاكرز» من مختلف الدول العربية، اتحدوا في أهداف متمثلة في الهجوم والاختراق للمواقع والبرامج الإسرائيلية.

2. وحدة الحرب الإلكترونية: أنشأت سرايا القدس، وهي الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحدة الحرب الإلكترونية والإعلامية المختصة، ليس فقط لترصد وتتابع ما تقوله إسرائيل بصورة شاملة، بل لتعمل على اختراق العديد من المواقع الإلكترونية التابعة لأجهزة حساسة في الدولة العبرية، فيما تصل أحيانا إلى تدمير تلك المواقع عبر تقنيات برمجية، ومن بين تلك المواقع؛ موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وصحيفة «معاريف»، ومواقع خاصة بالجيش الإسرائيلي وبالمستوطنين؛ مثل موقع «ييشاع نيوز» التابع للقناة الإسرائيلية السابعة الخاصة بالمستوطنين اليهود.


أبرز العمليات الإلكترونية ضد إسرائيل

طبقًا لرئيس قسم المواقع الإلكترونية التابع للحكومة الإسرائيلية، أوفري آفي، فإن «المواقع الإسرائيلية تتعرض يوميًا لمئات وربما آلاف الهجمات الإلكترونية»، ومن أبرز هذه العمليات التي شهدتها السنوات الماضية:

عام 2012: شهد ذلك العام أول هجوم لمجموعة «أنونيموس العرب»، فكشفت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني، أن مجموعة من قراصنة شبكة الإنترنت مناصِرة لكفاح الفلسطينيين ضد إسرائيل، اخترقت المواقع الإلكترونية للبورصة الإسرائيلية وشركة «إلعال» للطيران، وشركة «دان» للمواصلات، وعدة مصارف كبرى، وتسببت بوقفها عن العمل فترة من الزمن، وتمت سرقة سجلات مدنية وبطاقات اعتماد لمواطنين إسرائيليين.

عام 2013: ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، بتاريخ 7 إبريل/نيسان، أنه تم اختراق حوالي 19 ألف حساب فيسبوك إسرائيلي، من قبل قراصنة في العالم ينتمون لمنظمة مجهولة، هددوا بإزالة خريطة إسرائيل من على شبكة الإنترنت، وقد نشرت صحيفة «Times of Israel» الإلكترونية، تقريرًا عن تكبد إسرائيل حينها، وفي 24 ساعة فحسب، ما بين ثلاثة إلى خمسة مليارات دولار.

عام 2014: جاء في صحيفة «نيويورك تايمز»، مع مطلع شهر يناير/كانون الثاني، تصريح لأفيف راف، مدير التقنية التنفيذي لشركة «سكيوليرت» الإسرائيلية، إحدى أسرع وأفضل شركات العالم تطورًا في مجال الحماية الإلكترونية، يكشف عن اختراق 15 حاسوبًا مركزيًا، أحدهم هو حاسوب هيئة مراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية.

عام 2015: سمي هذا العام بـ «المحرقة الإلكترونية»، إذ أسقطت حركة «أنونيموس» عشرات المواقع الإسرائيلية في الإنترنت خلال هجومها السنوي على هذه المواقع، بما في ذلك مواقع للكنيست، ومواقع لوزارة التعليم، والبوابة الحكومية الإلكترونية الإسرائيلية، بحسب ما ذكرته صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية.

عام 2016: ساد شعار «اليوم خلف الشاشات وغدًا بالرشاشات» عددًا من المواقع الإسرائيلية، بعد موجة جديدة من القرصنة الإلكترونية، حيث نشرت الصحف الإسرائيلية بتاريخ 7 إبريل/نيسان عن سقوط أكثر من 55 موقعًا إسرائيليًا مهمًا بسبب هجمات الهاكرز منها: مواقع وزارة الاقتصاد، والجيش الإسرائيلي، والمتحدث باسم الجيش، ووزارة الأمن العام، ووزارة الشئون الخارجية. كما تمكن هاكرز أنونيموس من اختراق موقع القناة الإسرائيلية الثانية لمدة تزيد عن ساعة.


«قبة حديدية» إلكترونية في إسرائيل

«قبة حديدية» جديدة من المزمع إنشاؤها، لكن من نوع آخر. فبحسب ما أورده المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، نوعام أمير، أن الجيش الإسرائيلي بصدد إقامة قبة حديدية إلكترونية، من خلال «مقاتلين تقنيين» بهدف حماية مراكز المعلومات الأمنية لإسرائيل، والتي ستعمل بنظام فريد من نوعه.

كما أشار غيلي كوهين، المراسل العسكري لصحيفة هآرتس، إلى أن هناك قوتين عُظمتين في العالم لديهما القدرات التقنية لإدارة معارك عبر الإنترنت وهما الولايات المتحدة وروسيا، وأن إسرائيل في الطريق لتكون قوة عظمى في مجالات حروب السايبر والإنترنت. لذا قامت إسرائيل بإنشاء عدة وحدات للتصدي للحرب الإلكترونية، ومنها:

1. وحدة مستيفان: وهي وحدة التحكم والسيطرة والإدارة، والتي بمثابة ذراع إسرائيل للحرب الإلكترونية، فهي مسئولة عن تنفيذ معظم الهجمات الإلكترونية التي يشنّها الجيش الإسرائيلي ضدّ من يوصفون بـ «الأعداء»، علاوةً على توسعها في التجسس على «الأصدقاء».

2. وحدة 8200: هي وحدة سرية تعمل في إسرائيل، وتُصنف ضمن مجموعة من أكبر ستة أجهزة على مستوى العالم في المبادرة بالهجمات الإلكترونية في العالم.

3. هيئة الحرب الإلكترونية: وهي تابعة لرئاسة أركان الجيش، وتتمثل مهمتها في اتخاذ الاستعدادات الدفاعية التي تمكن من حماية الفضاء الإلكتروني، وحماية البنى التحتية والمرافق المدنية والعسكرية المرتبطة بها، وتعمل بتنسيق مع «السلطة الرسمية لحماية المعلومات» التابعة لجهاز المخابرات الداخلية (شاباك)، وشركة «تهيلا» التي توفر خدمة تصفح للوزارات والمؤسسات التابعة لها.

المراجع
  1. "حرب إسرائيلية على النشطاء الفلسطينيين على مواقع التواصل"، سبوتنك عربي، 4 يناير 2017.
  2. "صحف العالم: حرب إلكترونية بين إسرائيل وحماس"، موقع السي إن إن، 11 نوفمبر 2016.
  3. "متسفان: ذراع الحرب الإلكترونية لإسرائيل"، الحدث، 26 أكتوبر 2016.
  4. "الحروب الإلكترونية تهدد إسرائيل"، الجزيرة نت، 3 أغسطس 2016.
  5. "جيش الاحتلال: مواجهات إسرائيل القادمة ستعتمد على الاتصالات والحرب الإلكترونية"، سما الإخبارية، 28 إبريل 2016.
  6. هيثم قطب، "ما وراء الستار: جيش فلسطين الخاص.. هكر تل أبيب"، ساسة بوست، 27 مارس 2016.
  7. "نظرة على قدرات "اسرائيل" في الحرب الإلكترونية"، الميادين، 26 مارس 2016.
  8. "جنرال سابق: الحروب الإلكترونية أخطر تهديد لإسرائيل"، الجزيرة نت، 24 مارس 2016.
  9. "أنونيموس تشن هجوماً إلكترونياً على إسرائيل"، الجزيرة نت، 7 إبريل 2015.
  10. نبيل سنونو، "الحرب الإلكترونية: خطر يُحدق بإسرائيل"، فلسطين أون لاين، 16 نوفمبر 2014.
  11. عصام نعمان، "الحرب الإلكترونية بديلاً من المقاومة المسلحة"، موقع العربية نت، 21 يناير 2012.