مُسارعةً الخُطى في التحضير لمعركةِ الرقة، وعكس إدارة أوباما تعمل إدارة ترامب على وضع اللمسات الأخيرة لمعركة الرقة. التي أعلنت وحدات حماية الشعب أنها ستنطلق في الأوّل من أبريل/نيسان؛ ولأنّ كلّ اللّاعبين المؤثرين في الوضع السوري يريدون أن يدلوا بدلوهم، في هذه المعركة التي جرى التحضير والتجييشُ الإعلامي لها أكثر من التحضير العسكري نفسه، لن نبالغ إن قُلنا بأنّ هذه المعركة لعبت دوراً مهماً في الكثير من التفاهمات والاصطفافات الإقليمية والدولية على حدٍ سواء.

ولعل أهمية المعركة لا تكمن في كونها متجهة إلى عاصمة تنظيم الدولة داعش فحسب، بل أيضاً كونها تجمعُ أطرافاً متناقضة تود المشاركة فيها. فالولاياتُ المتحدة التي تقودُ التحالف الدولي ضد الإرهاب، تعتمد على قوتها الضاربة في الجو، عبر سلاح الطيران الذي لا يفارقُ سماء المنطقة. وعلى الأرض تعتمد على «حلفاء محليين» متمثلين بقوات سوريا الديمقراطية، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الأساسي.

هذه القوات التي أطلقت حملة غضب الفرات لعزل الرقة تماماً عن باقي المناطق وبالتالي محاصرة تنظيم داعش كمرحلة أوّلية، فانطلقت الحملة من ثلاثة محاور الحسكة شرقاً، وبلدة عين العيسى شمالاً، وشرقاً مدينة منبج. وهذه الأخيرة كانت لها حكاية لا تقل أهمية عن حكاية الرّقة، فمنذُ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها وطرد تنظيم داعش منها والقلقُ التركي لم يهدأ أبداً.

قلقٌ وصل إلى حدِّ التهديد المباشر بدخول مدينة جرابلس السورية عبر قوات درع الفرات المكوَنة من بعض فصائل المعارضة السورية التي تدعمها أنقرة بأسلحة وعتاد وحتى قطعات من الجيش التركي. وحين سيطرت قوات درع الفرات على مدينة الباب، أصبح التصادم مع القوات الكردية في منبج حتمياً، بل أصبح رسمياً على لسان المسئولين الأتراك حين هدد جاويش أوغلو بقصف القوات الكردية داخل منبج كونها تقع ضمن «المنطقة الآمنة التي تهدف تركيا لإقامتها» لكن هذه الشدة بدأت بالتراخي بظهور عنصرين مفاجئين على السّاحة، الأوّل جاء من قوات سوريا الديمقراطية والتي سلمت بعض القرى في غرب منبج لحرس الحدود التابع للجيش السوري الذي أصبح يشكل حدّاً فاصلاً بين درع الفرات وقوات سوريا الديمقراطية، ولعل العنصر المفاجئ الثاني لا يقل أهميةً عن الأوّل حين أعلن البنتاغون نشر قوات أمريكية في منبج، وأنّ منبج مدينة محررة ولا داعي لأي قوة التوجه إليها كان ذلك بمثابة المسمار الأخير في نعش درع الفرات، الّذي انكفأ على نفسه، وأكّد وزير الدفاع التركي أنّ الحل العسكري في منبج وارد فقط إذا فشلت الدبلوماسية.

وفي ظل هذه الأحداث الدراماتيكية كانت قوات النظام السوري تتجه إلى تدمر المدينة الأثرية، وبالفعل تمت السيطرة عليها، وطرد تنظيم داعش منها لتدخل روسيا على الخط وتعلن استعدادها التعاون مع واشنطن في معركة الرقة كإشارة مبطنة منها في إشراك قوات النظام فيها ليظهر المشهد العام لمعركة الرقة فوضوياً من حيث كثرة «الطبّاخين» وحتمية التقاء «الأعداء» في نقطةٍ ما وهذا ما قد ينذر بمعارك هامشية قد تُشتت كل الجهود المبذولة لطرد تنظيم داعش من الرقة.

ولأنّ الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ترامب تحمل على عاتقها إنهاء وجود التنظيم الإرهابي في كل من سوريا والعراق، فيبدو أنها بدأت بضبط الإيقاع عبر توزيع الأدوار على الفرقاء، فبالرغم من تصريحات المسؤولين الأتراك بأنّ واشنطن لم تحسم موقفها بعد من مشاركة تركيا أو الاعتماد على القوات الكردية في المعركة المنتظرة، إلّا أنّ حديث البنتاغون بأنّ غالبية من سيدخلون مدينة الرقة هم من المقاتلين العرب المنضوين في قوات سوريا الديمقراطية يظهر ترجيح كفّة الميزان لصالح القوات الكردية على حساب قوات درع الفرات التي تنوي تركيا إشراكها في المعركة.

أمّا من جهة روسيا، فبالرغم من تقارب التصريحات الروسية الأمريكية حول تعاون محتمل بين البلدين في محاربة الإرهاب وتواجد قوات النظام في تدمر إلّا أنّ الكثير من المراقبين والمحللين يرون عدم إمكانية إشراك هذه القوات في معركة الرقة، لكن ربما يكون لروسيا دور استخباراتي أو دعم جويّ. فالمايسترو الأمريكي أذكى بكثير من أن يترك الساحة السورية للدبّ الرّوسي وأيضاً أذكى من أن يخسر تحالفه الاستراتيجي مع تركيا إرضاءً للحليف الكردي، ولا هو بهذا الغباء ليترك حليفه الكردي الذي أثبت فاعلية قتالية عالية ضد تنظيم داعش، ولجمع كل هذه التناقضات معاً ستعمل واشنطن عل توزيع الأدوار بشكلٍ قد لا يرضي أيّ طرف ولكن بالمقابل لا يرجح كفة أي طرف على آخر، فسياسة مسك العصا من المنتصف تبدو كالأوكسجين بالنسبة لسياسة أمريكا الخارجية.

لذا ستعتمد واشنطن على قوات سوريا الديمقراطية في معركة الرقة، لكنها في الوقت نفسه ستجد دوراً تركياً محتملاً في هذه المعركة قد يكون عبر مشاركة سلاح الجو التركي وفيما بعد وهنا الأهم قد يتم إرضاء تركيا عبر منطقة آمنة في المشروع الذي يطرحه ترامب عن ذلك، رغم أن الرؤيتين التركية والأمريكية لهذا المشروع مختلفتان، لكن الدبلوماسية ستكون سيدة الموقف آنذاك وبالحديث عن الدبلوماسية والسياسة فقد غفلنا بل استغفلنا الدور العربي في كل هذا المشهد السوري، نعم استغفلنا لأنّ الدور العربي المتمثل تحديداً بالمملكة العربية السعودية سيأتي لاحقاً بقوة، هذا الدور الذي تم رسمه بدقة في الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن ولقائه في البيت الأبيض بالرئيس ترامب حيث أكدت السعودية أنها مستعدة لإرسال قوات بريّة إلى سوريا.

وفيما يبدو أن هذه القوات سيكون لها دور في مرحلة ما بعد داعش وبالتحديد في تطبيق فكرة المناطق الآمنة من حيث تمويل هذا المشروع وإرسال قوات تسيطر على الأرض في منطقة ما على الجغرافيا السورية، وسيبرز الدور السعودي أيضاً في رسم شكل الدولة السورية من خلال نفوذها القوي على المعارضة السورية التي تتمثل بالائتلاف المعارض، خاصة في مرحلة إعداد الدستور التي ربما تبحث في جنيف أو أيّ مكان آخر، لكنّ المؤكد أن تلك التسوية النهائية لن تكون قريبة كما يبدو لنا بل ستأخذ وقتاً، وسيكون للولايات المتحدة الكلمة الفصل حين ذاك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.