تمهيد سريع

هذه المباراة لم تكن استثناءً عن باقي المباريات التي تواجه فيها الفريقان منذ تولي كل من «سيميوني» و«لويس إنريكي» العارضة الفنية لكل من الفريقين. إذ أنها صارت على نفس النمط المتكرر لسابقيها؛ فريق يستحوذ ويهيمن والآخر يدافع ويدافع ويدافع.

حتى أن هذه المباراة تحديدًا تشبه إلى حد كبير -على المستوى التكتيكي- مباراة ذهاب ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي. فنرى استحواذًا كتالونيًا لا منتهي ينتج تمريرات عرضية لا منتهية أيضًا، لا تسمن ولا تغني من جوع، تبحث عن ثغرة في دفاع الأتليتي، وبالطبع وكما هي العادة منذ قديم الأزل فإن برشلونة لا يسدد من خارج المنطقة وعلى الجانب الأخر فريق يدافع ويلعب على المرتدات أو ينتظر أخطاء الخصم.


من جانب المدربين

الأرجنتيني سيميوني بالطبع لم يغير من طريقته «البسيطة» كما يسميها هو، والتي ينتهجها منذ توليه مسئولية الفريق حيث يحول المباراة إلى مباراة بدنية وصراعات جانبية يُضاف إليها دفاع مستميت مكون من عدة طبقات تتمركز في الخمسين متر الأخيرة، مع انتظار هفوة دفاعية من الفريق الخصم أو كرة ثابتة أو أي إبداع فردي من أحد لاعبيه.

على الجانب الآخر، لويس إنريكي لم يغير من الطريقة. حيث عمد إلى الاستحواذ على الكرة وصعود تدريجي بها حتى الوصول إلى مناطق الخصم مع توفير ضغط عالٍ على الخصم و فتح الملعب إلى أقصى درجة من خلال تقدم ظهيري الجنب في نفس التوقيت.


الشوط الأول: لأن راكتيتش موجود

بدأ الشوط الأول بانكماش مبالغ فيه لكنه معتاد من قبل أتليتكو مدريد واستحواذ برشلوني تام على وسط الميدان.

فمن ناحية أتليتكو، كان يتمركز محوري خط وسط أتليتكو «جابي وكوكي» بشكل مستمر أمام قلبي الدفاع مع رجوع كلًا من ساؤول وكاراسكو لمساندة ظهيري الجنب مما يخلق طبقة دفاعية أمام رباعي خط الظهر، وفي بعض الأحيان كان يعود معهم جريزمان ليساند خوان فران بينما ينضم ساؤول إلى العمق.

أما برشلونة فقد اعتمد الضغط العالي بشكل كبير حيث كان يتمركز طيلة أغلب فترات الشوط الأول بيكيه وماسكيرانو على دائرة المنتصف دون أي ضغط أو تهديد من لاعبي أتليتكو مدريد، في الوقت نفسه كان ينطلق كل من سيرجي روبيرتو الظهير الأيمن وجوردي ألبا الظهير الأيسر للأمام لتوفير الزيادة العددية في الهجوم. بينما يعود بوسكتس إلى جانب بيكيه وماسكيرانو للتأمين الدفاعي.

اعتمد برشلونة في الهجوم على خلق جبهتين في أطراف الملعب. فتجد «ميسي، سيرجي، راكيتيتش» على الجانب الأيمن و ترى «نيمار، إنييستا، ألبا» على الجانب الأيمن. لكن هذه الجبهات واجهت تنظيمًا دفاعيًا عاليًا وقتالية من لاعبي أتليتكو مدريد.

وفي ظل استسلام ميسي المصاب للرقابة الدفاعية وبطء نيمار المبالغ فيه في التصرف في الكرة والحاضر الغائب سواريز، كانت المهمة ملقاة على كتفي إنييستا وراكي بشكل أساسي.

راكيتيتش كان نجم الشوط الأول بلا منازع -عفوًا إنييستا خارج التقييم- دفاعًا وهجومًا. الكرواتي برهن على أداء رفيع المستوى، فكان يعود ليغطي وراء سيرجي روبيرتو المتقدم والتائه في كثير من الأحيان ومن ثم يبدأ الهجمة مرة أخرى ويعود ليتمركز في أفضل المواقع، كان مثل الدينامو والرئة الثالثة الذي تنفس من خلالها برشلونة في الشوط الأول بجانب العقل المدبر إنييستا وبالفعل توَّجا مجهوداتهما بهدف أحرزه راكيتيتش من عرضية لإنييستا في ظل عدم تركيز دفاع الأتليتي وسوء تمركزهم. لينتهي الشوط الأول على وقع هذا الهدف دون أي ردة فعل حقيقية من قبل أتليتكو مدريد.


الشوط الثاني: لأن العشوائية قد تفيد أحيانًا

بدء الشوط الثاني وأتليتكو في حالة اضطراب تكتيكي، فالفريق لا يدري هل يهاجم ويفتح خطوطه، فيترك دفاعه دون حماية وقد يضربه برشلونة بالمرتدات أم يكمل على نفس النهج وحينها لن يشم ريح دفاع برشلونة كما حدث في الشوط الأول. في الوقت نفسه الفريق الكتالوني نزل الشوط الثاني مسترخيًا دون رغبة قوية في إحراز الهدف الثاني وقتل المباراة. فصار الشوط الثاني وكأنه شوط من مباراة في دوري أبطال إفريقيا دور 32.

بدأ أتليتكو مدريد يعتمد على سرعة كيفين جامييرو ومهارات جريزمان في نقل الهجمة ونقل اللعب إلى وسط فريق برشلونة وبدأ كوكي يتحرر من مهامه الدفاعية شيئًا فشيئًا لكن وسط برشلونة كان بالمرصاد لهذا المد الهجومي. لكن رغم ذلك استطاع الفريق المدريدي إحراز هدف التعادل بعد خطأ لصالحه تم لعبه بسرعة ليصل إلى جريزمان الذي قام بتمريرة جميلة بالكعب مرت من بين أقدام بيكيه لتصل إلى البديل المهاجم أوليفير كوريا الذي مرّ من ماسكيرانو بسهولة تامة ومن ثم وضعها على يمين حارس المرمى تير شتيجن الذي لم يحرك ساكنًا.

بعد ذلك الهدف صارت المباراة سجالًا في منتصف الميدان بين الفريقين تخللتهما فرصة خطيرة وحيدة لبرشلونة في شبه انفراد سدده نيمار برعونة في يد الحارس أوبلاك.

لكن مع مرور الوقت بدا أن الفريقين مقتنعان بنتيجة التعادل وأن أحدًا منهم لا يريد المجازفة بالنقطة التي في يديه وبالفعل انتهت المباراة بالتعادل.


الميركاتو والتبديلات

استقدم برشلونة في هذا الصيف عددًا من اللاعبين الواعدين لكي يكونوا دعامة حقيقية ودكة بدلاء ثقيلة يستطيع الفريق اللجوء إليها في أوقات الحاجة. لكن ورغم اعتماد إنريكي على هؤلاء اللاعبين في سابق المباريات وتأديتهم أداءً عالي المستوى إلا أنه لم ينظر إليهم في مباراة الأمس إلا عند الضرورة. فلجأ إنريكي إلى أندريه جوميز عند إصابة بوسكتس ولقد أدى الفتى البرتغالي بشكل ممتاز جدًا لم يجعلنا نشعر أن بوسكتس قد خرج.

والتبديل الآخر عند إصابة ميسي ونزول أردا توران الذي كان يقدم أفضل مستوياته منذ قدومه إلى الفريق قبل عودة نيمار.

التبديل الثالث الذي كان يجب أن يحدث، هو إخراج واحد من نيمار أو سواريز لصالح باكو ألكاثير، خاصة سواريز الذي غاب عن المباراة تمامًا.

لكن بعيدًا عن هذين التبديلين الاضطراريين لم نر أيًا من النجوم الجدد أمثال دينيز سواريز وباكو ألكاثير الذي كان بإمكانهم تغيير شكل الفريق هجوميًا في الشوط الثاني بعد التعادل. واكتفى باستخدام تبديلان فقط.

على الجانب الآخر، كان سيميوني محظوظًا إلى أبعد حد في تبديله الأول عندما أخرج جامييرو وأنزل بدلًا منه كوريا الذي استطاع إحراز الهدف من أول لمسة له في المباراة بعد تمريرة سحرية من جريزمان. وقام سيميوني بعد ذلك بإخراج ساؤول وإنزال فرناندو توريس طمعًا في النقاط الثلاث لكن الإسباني لم يكن له أثر طيلة وجوده. وفي الدقائق الخمسة عشر الأخيرة قام بإخراج كاراسكو وإنزال متوسط الميدان الدفاعي توماس بريتي لتأمين النتيجة. ولم يستفد سيميوني من الوافد الجديد ونجم بنفيكا السابق جايتان ووضعه على دكة البدلاء طيلة اللقاء.


ميسي لا يعوض ونيمار على خطى روبينيو

من اللحظة الأولى للمباراة أدركت أن ميسي ليس في حالته، ليس لأنني عراب أو ما شابه، لكن عندما ترى ميسي يترك الرواق الأيمن ويبدأ في الدخول إلى عمق الملعب ولا يندفع بشكل كبير ويتجنب الالتحامات البدنية. غياب ميسي وضع الفريق الكتالوني في أزمة كبيرة حيث أن الكرة تتوجه إلى ميسي لإيجاد الحلول لكنه كان خارج التغطية بشكل كبير.

في غياب ميسي، تم تحويل الدفة إلى نيمار، الفتى البرازيلي صار طعمه ماسخًا من كثرة التكرار. يأخذ الكرة يستلمها يتجمع حولة ثلاثة لاعبين من الخصم وبدلًا من التمرير السريع يقوم بأخذ «فاول» ليعطل الهجمة. البرازيلي الصغير ليست له شخصية في الملعب، لا يأخذ بزمام الأمور ولا المبادرة. لا يخرج من جعبته الشيء الكبير.

ففريق مثل برشلونة لا يبحث عن مراوغة هنا أو هدف رائع هناك بل يبحث عن قائد في الملعب يقود الفريق ويتحمل المسؤولية وليس لاعب « طفرة » يظهر ويختفي حسب مزاجه. يجب على مدرب الفريق في قادم المرات وضع مصلحة الفريق وفق كل اعتبار واشراك «أردا» مكان نيمار، حيث رأى الجميع كيف تألق التركي عند وضعه على الرواق الأيسر، وليس أن يترك نيمار في الملعب حتى الدقيقة الأخيرة دون أن يقوم بأي شيء يذكر. على كل حال، اعتقادي ورغبتي بكل وضوح أنه عاجلا أم آجلا سيضطر برشلونة لبيع « المغني » البرازيلي ليتخلص من أعبائه التي لا قيمة لها حقيقة على أرض الملعب.


سيميوني هل أنت قادر على التوقف؟

الرجل الأرجنتيني يبدو أنه صار غير قادر على تغيير طريقة لعبه إلى شيء آخر سوى ذلك المسخ المقيت. يقولون أن الكاتيناتشو وأن الدفاع هو الأصل وبعض الهراء الذي تم الرد عليه كثيرًا. لكن يبدو أن المشكلة الحقيقية في المدرب، الرجل يبدو أنه يهاب التغيير أو لا يدري طريقًا للأداء الهجومي سواء أمام فرق الصف الثالث.

أيًا كان، من حقنا أن نطالبه بالتغيير وأن ننتقده ومن حقه الاستمرار طالما أن الطريقة تؤتي أكلها.


أعلم أن المباراة هي مباراة برشلونة لكنني قررت كتابة أتليتكو أولًا لأنه هو الذي حدد شكل وطريقة سير المباراة.