في تقرير نشرته قناة BBC الثقافية لأهم 100 فيلم في القرن الواحد والعشرين، ومن بين أكثر من ثمانين مخرجًا شملتهم القائمة، سبعة فقط كانوا من النساء، وهو ما يثير موضوع هيمنة الرجال على صناعة السينما وندرة عدد المخرجات، وضعف أجورهن مقابل أجور المخرجين الرجال، وبالطبع في الحصول على الجوائز الهامة مثل «الأوسكار» و«جولدن جلوب». يرى النقاد أن قلة عدد المخرجات سببه طبيعة المهنة نفسها والتي تجنح للمخاطر، فشركات مثل 20th century، وسوني، وبراماونت بيكتشرز، لن تنتج أفلامًا بميزانيات ضخمة تديرها النساء، ويري البعض أن معظم الأفلام النسائية تقتصر على الكوميديا والدراما الخفيفة ولهذا لا تذهب إليها هذه الجوائز. في هذا التقرير نتتبع هذه القضية باستعراض عدد من التفاصيل التي ﻻ يعرفها الكثيرون.


هل السينما من صنع الرجال؟

وفقًا لدراسة نشرها موقع «fandor» بخصوص السينما الهوليودية تشير إلى عدد من الحقائق منها؛ أن هناك مخرجة واحدة مقابل 15 مخرجًا، وأن نسبة مخرجات أعلى 100 فيلم في البوكس أوفيس في الفترة (2002-2012) هي 4.4% فقط. تتجه المخرجات لعمل الأفلام الوثائقية بنسبة 34,5% مقابل 16% للأفلام الروائية. وجاء في التقرير كذلك، أنه من بين أفضل مائة فيلم روائي تم إنتاجها في كل عام من اﻷعوام العشرة الأخيرة، إجمالي عدد المخرجات في هذه الأفلام هو فقط 41 مخرجة، في مقابل 625 مخرج.

أما أهم هذه الحقائق فهو تقلص عدد المخرجات في هوليود من 9% في عام 1998، لتصل في عام 2010 إلى 7%، ثم إلي 5% في عام 2011. تقلصت هذه النسبة مرة أخرى في عام 2014 لتصل إلي 3.4%، وفقًا لدراسة قام بها معهد التنوع والتمكين بجامعة جنوب كاليفورنيا.

وعن الجوائز الكبرى فحدث وﻻ حرج، يكفي أن نعرف أن عدد المخرجات الفائزات بجائزة الأوسكار، منذ تأسيس الأكاديمية عام 1929، مخرجة واحدة فقط هي الأمريكية «كاثرين بيجلو» عن فيلمها «The Hurt Locker» عام 2010؛ أي بعد أكثر من ثمانين عامًا على إنشاء الجائزة، في حين ترشحت للجائزة ثلاثة أخريات هن:

– الإيطالية «لينا فيرمولر» عن فيلمها «seven beauties» عام 1977.

– الأسترالية «جين كامبيون» عام 1994 عن فيلم «the piano»، كامبيون أيضًا هي المخرجة الوحيدة التي حصلت على السعفة الذهبية لمهرجان كان عن نفس الفيلم.

– «صوفيا كوبالا» وهي أول مخرجة أمريكية تترشح للأوسكار في فئة الإخراج عام 2004، عن فيلم «Lost In Translation».

جائزة «جولدن جلوب» لم تكن أفضل حالاً، فعلى مدار عمر الجائزة البالغ 74 عامًا،فازت امرأة واحد فقط بالجائزة في فئة الإخراج هي الأمريكية «باربرا سترايساند» عن فيلمها «Yentl» عام 1984، سترايساند تحمل في جعبتها العديد من الجوائز والترشيحات المرموقة كذلك، منها جائزتي أوسكار إحداها كأفضل ممثلة في دور مساعد عن دورها في فيلم «Funny Girl» عام 1969، والأخرى عام 1977 في فئة أفضل أغنية أصلية، فضلاً عن 3 ترشيحات أخرى لم يكن أي منها في فئة الإخراج.

في عام 2010 نشر موقع «Meta Critc»تقريرًا عن أشهر مخرجات الأفلام الروائية وعلاقتهن بالجوائز الهامة في السينما في آخر ثلاثين عامًا، بمناسبة حصول أول مخرجة على الأوسكار. «كاثرين بيجلو» التي فازت بأوسكار أفضل مخرج عام 2010، ورشحت لجائزة «جولدن جلوب» في نفس العام، كانت كذلك هي المخرجة الأولى التي تفوز بالبافتا وجائزة نقابة المخرجين الأمريكيين.

ووفقًا لتقرير صادر عن «INDIEwire» عن أعلى الأفلام إيرادات على المستوى المحلي (فقط داخل الوﻻيات المتحدة)، والتي تم تحديدها بالأفلام التي وصلت إيراداتها 100 مليون دوﻻر فيما أكثر، ومن بين 241 فيلمًا شملهم التقرير في الفترة من (2000-2009)، سبعة أفلام فقط أخرجتها أو شاركت في إخراجها النساء، وهو ما قد يعتبره البعض مفسرًا لسبب عزوف الشركات الكبرى عن إنتاج أفلام ذات ميزانيات ضخمة من إخراج النساء، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فوفقًا لدراسة خرجت من جامعة سان دييجو ترد على هذه المقولة بأن أفلام الرجال والنساء التي حظيت بميزانيات متماثلة أدرّت عوائد مماثلة.

بالعودة للوراء لبدايات صناعة السينما، سنجد المخرجة الفرنسية «أليس غي باتشي»، أول مخرجة في العالم (1873-1968)، نفذت أكثر من ألف فيلم، على مدار عشرين عامًا هم عمرها الفني، نفذت فيلمها الأول The cabbage fairy عام 1896 كتابةً وإنتاجًا وإخراجًا، حققت أليس نجاحًا كبيرًا، على مدار عقدين عددًا كبيرًا من الأفلام القصيرة، تقلدت وسام الشرف الفرنسي عام 1955، ومع ذلك فقليلاً ما تذكر أليس في تاريخ السينما.

ألهمت أليس مخرجات أخريات، مثل «لويس ويبر» (1879-1939)، أول مخرجة أمريكية، كانت في بداية حياتها مبشّرة، وانطبع ذلك على مواضيع أفلامها، مثل محاربة الكحول والإدمان والإجهاض، تعد من أهم المخرجات في تاريخ السينما، نفذت عددًا كبيرًا من الأفلام الصامتة، كان أول أفلامها في عام 1911 بعنوان «Aheroin of 76». عملت لويس كممثلة، كاتبة، ومنتجة أيضًا، وطبقًا لموقع IMDb نفذت لويس أكثر من 100 فيلم، كانت حصليتها من ورائهم جائزة واحدة.


في السينما المصرية

وفي مصر التي عرفت فن السينما منذ بداياته المبكرة، كان على النساء أن تنتظرن أكثر من 20 عامًا قبل أن تقتحمن مجال الإخراج السينمائي من خلال المخرجة «عزيزة أمير» (1901_1952) التي مثلت وأنتجت أول أفلامها «بنت النيل» عام 1929، ثم لحقت بها «فاطمة رشدي» (1901_1996) بأول أفلامها «الزواج» عام 1933، ثم «بهيجة حافظ» (1901_1983) عام 1937 بفيلم «ليلى بنت الصحراء»، وفي العام نفسه أخرجت أمينة محمد (1908_1958) فيلم «تيتا وونج»، هؤلاء 4 مخرجات عرفتهن فترة العشرينيات والثلاثينيات كما ذكرهن الناقد «سمير فريد» في كتابه (1) «أفلام المخرجات في السينما العربية»، ويذكر فريد أن المرأة كمخرجة سينمائية لم تظهر بعد الثلاثينات إلا في عام 1966 عندما أخرجت «ماجدة» فيلم «من أحب».

ثم ظهر الجيل الثاني للمخرجات مثل، «أنعام محمد علي» التي تخصصت في إخراج المسلسلات الدرامية، وقدمت إلى جانب ذلك أربعة أفلام روائية أشهرها «حكايات الغريب» في عام 1992، و«الطريق إلى إيلات» في 1993، بالإضافة إلى «نادية حمزة» (1939-2012) بفيلم «بحر الأوهام» عام 1984، و«إيناس الدغيدي» بفيلم «عفوًا أيها القانون» عام 1985، و«أسماء البكري» (1947_2015) بفيلم «شحاذون ونبلاء» عام 1991، و«ساندرا نشأت» عام 1998 بفيلم «مبروك وبلبل». كانت إيناس الدغيدي أكثرهم غزارة فنية بمجموع 15 فيلمًا، ثم عرفت السينما المستقلة مخرجات يبحثن عن مساحة خاصة في السينما مثل «نادية كامل» بفيلم «سلطة بلدي»، و«هالة لطفي» بفيلم «الخروج للنهار».

كما يذكر «فريد» أنه خلال العقد الأول من القرن الجديد شهدت السينما مولد 80 مخرجًا مقابل أربع مخرجات فقط. شهدت السينما المصرية خلال هذه الفترة تجارب فنية قوية لمخرجات يحملن همومًا نسوية، مثل «هالة خليل» عام 2004 بفيلم «أحلى الأوقات»، و«كاملة أبو ذكري» بفيلم «سنة أولى نصب» في العام نفسه.


في السينما العربية

هذا عن مصر التي عرفت السينما منذ بدايتها المبكرة، أما عن باقي البلدان العربية فالوضع ﻻ يختلف كثيرًا، ففي المغربسنجد أول مخرجة عرفتها السينما المغربية هي «فريدة بورقية»، التي قدمت أول أفلامها «الجمرة» عام 1983، قدمت أيضًا أفلام «رحيل البحر» عام 2003، و«الحي الخفي» عام 2006. وسنجد أيضًا «فريدة بليزيد» وهي من المخرجات الرائدات في المغرب، بفيلمها «باب السماء مفتوح» عام 1987، أخرجت فريدة خمسة أفلام، منهم «كيد النساء»، و«خوانيتا بنت طنجة»، سنجد أيضًا «فريدة بليزيد»، و«ياسمين قصاري»، و«ليلى التريكي»، كلها أسماء هامة في السينما المغربية اليوم.

في لبنان، تعتبر «جوسلين صعب» هي أول مخرجة لبنانية، وعلى الرغم من أن أول أفلامها الروائية «غزل البنات» جاء في عام 1984، إﻻ أنها قدمت العديد من الأفلام الوثائقية منذ منتصف السبعينيات، والتي تناولت في معظمها الحرب الأهلية اللبنانية، من بينها أفلام «أطفال الحرب»، و«بيروت لم تعد كما كانت». ومن أبرز المخرجات المعاصرات «نادين لبكي» التي بدأت حياتها الفنية بإخراج الإعلانات والفيديو كليب، ثم أخرجت أول أفلامها «سكر بنات» الذي شارك في مهرجان «كان» الدولي. ثم جاء فيلمها الثاني «هلأ لوين» أكثر نجاحًا بحصوله على عدد من الجوائز بالمهرجانات الدولية مثل مهرجان تورنتو الدولي، ومهرجان كان، ومهرجان ستوكهولم. تحمل أفلام نادين بعدًا نسويًا وطائفيًا، وتناقش العديد من القضايا الهامة بنظرة إنسانية.

وفي تونس تعتبر «مفيدة التلاتي»، هي أول مخرجة تونسية بفيلمها «صمت القصور» عام 1994 والذي شاركت فيه «هند صبري»، وتم عرضه بقسم «نظرة ما» بمهرجان «كان». وفي السعودية، التي عرفت السينما متأخرًا، كانت «هيفاء المنصور» مخرجة أول فيلم روائي سعودي(1) بعنوان «وجدة» في عام 2012، ويحكي قصة فتاة سعودية تريد أن تقود دراجة.

أما في السينما الفلسطينية، التي تحظى بالكثير من التقدير العالمي،تعتبر «آن ماري جاسر» هي أول مخرجة فلسطينية. بدأت العمل في مجال السينما في عام 1998، أخرجت عددًا من الأفلام القصيرة كان أشهرها «كأننا عشرون مستحيل» عام 2003، والذي يعتبر أول فيلم عربي قصير يشارك في مهرجان «كان»، ونالت عنه أكثر من 15 جائزة. وقدمت أول أفلامها الروائية الطويلة بعنوان «ملح هذا البحر» في عام 2007.


في السينما الإيرانية

وفي بلاد أشد انغلاقًا مثل إيران، وإبان الإرهاصات الأولى لفن السينما، لن نجد نساء أمام الكاميرا ولا خلفها بالضرورة. لم يكن عمر السينما قد تجاوز بعد الخمس سنوات عندما دخل هذا الفن الجديد إلى إيران في بدايات القرن العشرين، وكان بانتظار النساء 21 عامًا إضافية حتى يتاح لهن مجرد الذهاب إلى السينما، وذلك حينما قام المصور الإيراني «خان‌ بابا معتضدی» بافتتاح أول سينما للنساء في عام 1926. قوبل الأمر باستهجان مجتمعي شديد، وفشلت التجربة بعد عام واحد، لكن معتضدي أعاد الكرة وقام بافتتاح دار جديدة للعرض، ولكن هذه المرة اقترح أن تذهب النساء برفقة عائل من الرجال، أب، أخ، زوج، ..إلخ، على أن يتم ترتيب المقاعد بحيث تجلس النساء إلى يمين الشاشة، والرجال إلى يسارها.

ولكن ماذا عن المخرجات؟ ذكر موقع «باريس تايمز» أن عدد المخرجات الإيرانيات في الفترة من (1930-1994) 11 مخرجة، وهو عدد ضئيل للغاية مقابل 450 مخرجًا. ومن بين الأسماء في هذه القائمة القصيرة جدًا، يبرز اسم المخرجة «رخشان بني اعتماد» وهي من مواليد طهران 1954، وتعتبر من المخرجات الإيرانيات الرائدات، قوبل عملها في البداية باستهجان شديد، منذ بدأت حياتها الفنية عام 86 بفيلم «خارج النطاق»، ولكنها استطاعت في النهاية الاستحواذ على اهتمام النقاد، والحصول على جوائز عالمية. عكست أفلامها حياة الإيرانيين وصورت الفقر والمعاناة، والطلاق وتعدد الزوجات، تبعًا لموقع IMDb، نفذت رخشان عددًا من الأفلام الوثائقية والروائية منها «أصفر كناري»، «نحن نصف سكان إيران».


ظاهرة عالمية وسؤال بلا جواب

وبناءً على كل ما تقدم، يبدو أن ظاهرة التمييز النوعي ضد النساء في السينما هي ظاهرة عالمية، فالأمر ﻻ يتوقف على هوليوود، عاصمة السينما في العالم، ولكن يمتد بطول تاريخ السينما الذي تجاوز المائة عام، كما يبدو أيضًا أن المبررات المختلفة التي يطلقها المحللون سواء فيما يتعلق بقدرة المرأة على إدارة الميزانيات الضخمة، أو من اقتصار الأعمال النسائية على لون معين أو أكثر من الألوان السينمائية، ﻻ تبدو مقنعة على الإطلاق، خاصة في ظل توافر الحقائق الموثقة بالأرقام والتي تفند كل هذه المبررات.

مخرجة وحيدة في سجل الفائزات بجائزة الأوسكار، مخرجة وحيدة في سجل الفائزات بجائزة جولدن جلوب، مخرجة وحيدة في سجل الفائزات بجائزة البافتا البريطانية، مخرجة وحيدة في سجل الفائزات بسعفة مهرجان كان الفرنسي، كل هذه الشواهد تخبرنا أن هناك ظاهرة غريبة عصية على الفهم، وسؤالاً مفتوحًا ﻻ نجد له إجابة شافية.

المراجع
  1. «أفلام المخرجات في السينما العربية»، سمير فريد، دار الهلال، القاهرة: 2016