محتوى مترجم
المصدر
edge
التاريخ
2016/04/01
الكاتب
edge

انتهى الجزء الأول من المحادثة مع «ديفيد ريتش» أستاذ علم الوراثة بهارفارد بالحديث عن تطوير طريقة إحصائية جديدة لتحديد الأصول الجينية للأشخاص وقدم العصر الذي حدث فيه الخليط الجيني الذي أنتج الجيل الجديد. يمكنك قراءة الجزء الأول من هنا.

عندما فعلنا ذلك وجدنا أن الخليط في الهند قد حدث قبل ما يتراوح بين 2000 و4000 عام. قبل ذلك، كان هناك شعوب غير مختلطة في الهند. على نحو مذهل، ما أمكنك رؤيته من البيانات الوراثية كان حدثًا يمكنك فيه رؤية تغيرٍ ثقافي. يمكنك أن ترى ذلك في الهند، قبل 4000 عام، بدت القطاعات السكانية هناك مختلفة تمامًا عما تبدو عليه اليوم. كان هناك شعوب غير مختلطة مرتبطة بالأوراسيين الغربيين، وكانوا متصلين بالهنود الجنوبيين القدماء.

بعد ذلك، كان هناك حدث اختلاط سكاني ملتف وعميق أثر على جميع الجماعات دون استثناء، حتى الجماعات المنعزلة والمنبوذة خارج النظام القبلي. آنذاك، منذ حوالي 2000 عام، أُغلق النظام بالكامل وتوقف الاختلاط، يمكنك أن ترى ذلك بسبب وجود هذه الأحداث المؤسسة – عددٌ صغيرٌ نسبيًا من الأشخاص أدوا لوجود العدد الكبير من الأشخاص الموجودين في أيٍ من هذه الجماعات اليوم. ويحدث زواج الأقارب بقوة جدًا في الهند، لذلك يمكنك رؤية أن الكثير من الأشخاص في أحد الجماعات اليوم ينحدرون من نفس المؤسسين. وإن كان هناك حتى القليل من المدخلات الوراثية في هذه الجماعات من الخارج على مدار المئة جيل، فسيتم تعطيلها، إنه أمر مميز.

كان نيكولاس ديركس يقول إن النظام الطبقي لم يكن مهمًا جدًا قبل الاستعمار. أسس البريطانيون هذا النظام في الهند، وعززوه كوسيلة لحكم الهن بوضع أنفسهم في القمة.

ما نراه هو تغير ثقافي حيثما يوجد مبدئيًا قبولٌ واسع النطاق للخليط أو حدوث واسع النطاق للخليط – إنه حدث متحيز حسب الجنس، ما يعني على الأرجح أن الأمر له علاقة بالقوة – ثم يُقفل ويُحدد النظام الطبقي. إنه مثير للاهتمام للغاية في سياق الأنثروبولوجيا لأن أحد وجهات النظر الرائدة في الأنثروبولوجيا البيولوجية كانت نوعًا من وجهات النظر التنقيحية بشأن النظام الطبقي في الهند.

كان النظام الطبقي من اختراع الاستعمار. على سبيل المثال، كان نيكولاس ديركس يقول إن النظام الطبقي لم يكن مهمًا جدًا قبل الاستعمار البريطاني. أسس البريطانيون هذا النظام في الهند، وعززوه كوسيلة لحكم الهند، لقد وضعوا أنفسهم في القمة، استخدموه كوسيلة لتنظيم المجتمع، ومنهجوه؛ حيث فرضوه في أنحاء الأجزاء المختلفة من الهند.

وهذا صحيح إلى درجات عدة، لقد استخدموا النظام الطبقي ومنهجوه. لكن من الخطأ القول بأنه لم يكن قويًا، ويمكنك أن ترى في البيانات الوراثية أنه كان موجودًا لآلاف السنين. يمكنك أن ترى هذا في البيانات الوراثية.

هناك نقاش طويل وقديم إلى حد لا يصدق في الهند عن الأحداث التي أدت إلى الأخلاط الرائعة التي حدثت في الهند. الهند هي خليط من اللغات الهندو أوروبية المرتبطة باللغات الأوروبية، وأيضًا من اللغات الدرافيديونية غير المرتبطة باللغات خارج أوروبا، بالإضافة إلى مجموعات لغوية أخرى. إنها خليط من نظم زراعية. إنها تصادم للنظم الزراعية للصين ولبلاد ما بين النهرين بالأرز وتدجينات محددة أخرى قادمة من الصين، والقمح والشعير والماعز والأغنام القادمة من الغرب. إنه خليط بجميع الطرق الممكنة، وهو خليط وراثي.

السؤال هو كيف حدث هذا، لذلك فإن علم اللغة يمثل خطًا هامًا للأدلة هنا، وهو خط أدلةٍ مثير للنزاع والاهتمام جدًا. لكن السؤال لم يُحل بعد، وهو أكثر ما أشارك أنا وعلم الوراثة في محاولة فهمه الآن.

هناك هذه الظاهرة الخاصة باللغات الهندو أوروبية. هذه اللغات هي التي كالإنجليزية، وكجميع لغات أوروبا تقريبًا باستثناء الباسكية، المجرية، الإستونية، الفنلندية، ولغتين أخرتين، التي يتم التحدث بها في أنحاء هذه المنطقة شديدة الاتساع من العالم قبل حتى انتقال هذه اللغات إلى الأمريكتين وأماكن أخرى عبر الاستعمار. هذه اللغات لها توزيع غريب: حيث يتم التحدث بها في أوروبا وإيران والهند وأرمينيا، لكن لم يتم التحدث بها في الشرق الأوسط والشرق الأدني لمدة 5000 سنة، غالبًا. سبب معرفتنا بذلك هو لغات الشرق الأدنى – فالشرق الأدنى هو المكان الذي اخترعت فيه الكتابة، وأننا نعلم أن هذه اللغات لم تكن هندو أوروبية. أمامك هذا التوزيع ثنائي الفصوص مع وجود فص في إيران والهند، وفص في أوروبا، وفجوة في الوسط. كيف حدث هذا؟ إنه أحد أعظم ألغاز الغرب.

عندما تدخل لغة ما، فإنها عادة ما تُجلب بواسطة انتقالات واسعة من البشر. فبشكل عام، تميل اللغات عادة إلى تعقب الانتقالات الواسعة للبشر.

لقد تم اكتشاف الأمر في أواخر القرن الثامن عشر بواسطة قاضٍ بريطاني يعمل في الهند، والذي تعلم باليونانية واللاتينية في المدارس العامة في بريطانيا وأدرك أن السنسكريتية التي كان يدرسها كانت تمامًا كاليونانية واللاتينية في قواعدها وبناءها – هذه اللغات كانت مرتبطة للغاية ببعضها البعض. يظل هذا اللغز المتعلق بكيفية انتشار الهندو أوروبيين فوق مثل هذه المنطقة الشاسعة، وما كان يمكن أن تكون عليه الأسس التاريخية، مستمرًا. حقيقة أن هذه اللغات موجودة في الهند أدت إلى فرضية أنها جاءت من مكان آخر، من الشمال، من الغرب، وأنه ربما هذا من شأنه أن يكون قوة موجهة لحركة هؤلاء البشر.

سبب آخر لاعتقاد البشر بذلك هو أنه عندما تدخل لغة ما، ليس دائمًا بل عادةً، فإنها تُجلب بواسطة انتقالات واسعة من البشر. تعد اللغة المجرية استثناءً. فالمجريون في أغلبهم غير منحدرين من الشعب الذين جلب المجرية إلى المجر. بشكل عام، تميل اللغات عادة إلى تعقب الانتقالات الواسعة للبشر.

على الجانب الآخر، بمجرد تأسيس الزراعة، مثلما كان حالها منذ 5000 إلى 8000 عام في الهند، يكون من الصعب جدًا التأثير على إحدى الجماعات. لم يحدث البريطانيون أي تأثيرٍ ديموغرافي على الهند بالرغم من أنهم قد حكموها لمائتي عام.

يعد كيفية حدوث ذلك لغزًا، ويظل الأمر لغزًا. ما نعرفه هو أن الوقت المرجح لهذا الحدث كان قبل حوالي 3000 إلى 4000 عام. وقت وصول اللغة الهندو أوروبية يتوافق مع توقيت حدوث الاختلاط.

يجري النقاش الآن بطريقة كبيرة، والسبب هو الحمض النووي. يحرز علم اللغة تقدمًا مستمرًا ورائعًا ومثيرًا للاهتمام، لكن دليل الحمض النووي جذري وهام جدًا. كان لدى كولن رينفرو حجة هامة جدًا، وحتى هذا العام، كانت حجته فرضية العمل الرئيسية بالنسبة لمعظم الناس عن أصل اللغات الهندو أوروبية. سماها فرضية الأناضول. وفكرة فرضية الأناضول هي أن اللغة الهندو أوروبية هي اللغة التي تحدث بها البشر الذين ابتكروا الزراعة في الأناضول.

نعلم من علم الآثار أن الزراعة توسعت بشكل جذري وسريع في أوروبا بدءً منذ حوالي 8500 عام، أولًا في اليونان ثم انبثقت من اليونان إلى أن وصلت إسكندينافيا وبريطانيا قبل حوالي 6000 عام. منذ ما بين 8500 و6000 عام، انتشرت الزراعة عبر أنحاء أوروبا ضمن موجة من الأحداث. وما اعتقده هو تفسيرٌ معقولٌ يقول إن حركة اللغات الهندو أوروبية داخل أوروبا كانت بسبب توسع الزراعة؛ لقد جاءت يدًا بيد مع الزراعة. وعلى غرار ذلك، كانت حركة اللغات الهندو أوروبية داخل إيران والهند بسبب التوسع المشابه للزراعة من الأناضول والشرق الأدنى إلى الشرق. هذه هي الفرضية.

مال علم اللغة إلى تبني الاتجاه الآخر – أي دعم أنه كان هناك علاقة أكبر لتلك اللغات بالسهل الشمالي. لكن الدليل بناء على علم الآثار كان أكثر قبولًا.

شاركت بفضل سفانتي بابو، الذي جلبني كأحد المحللين الرئيسيين الباحثين في تاريخ السكان،في تفسير بيانات الإنسان البدائي التي أنتجوها منذ 2007 لمحاولة معرفة المزيد بشان التاريخ وعلاقات السكان الأصليين بالإنسان الحديث

أفضل دليل لدى كولين رينفرو والزملاء كان أن الناس عادة يغيرون اللغات بسبب قوة الأعداد، بسبب الأعداد الكبيرة من الأشخاص المنتقلين. ما قاله كان إننا نعلم أن هناك حركة واسعة للبشر داخل أوروبا منذ 8500 عام؛ تأكد ذلك من قبل علم الوراثة منذ عام 2009. لكننا لا نعلم بشأن أي حركة كبيرة للبشر داخل أوروبا منذ وصول الزراعة. ليس ذلك فحسب، كان الأمر ليكون صعبًا جدًا أن يكون هناك تأثيرٌ ديموغرافي كبير على أوروبا بعد تلك المرحلة.

أصبح دخول هذا المجال بالنسبة لي ممكنًا بفضل تعاوني مع سفانتي بابو، الذي جلبني بصفتي أحد المحللين الرئيسيين الباحثين في تاريخ السكان، لأفسر بيانات الإنسان البدائي «نياندرتال» التي أنتجوها منذ عام 2007 لمحاولة معرفة المزيد بشان التاريخ وعلاقات السكان الأصليين بالإنسان الحديث. وما ابتكره سفانتي كان في الأساس تكنولوجيا للبحث في الشفرة الوراثية الكاملة للإنسان القديم. بمجرد حصولنا على البيانات، أمكننا مقارنتها بالإنسان المعاصر والعينات القديمة الأخرى لمعرفة المزيد عن التاريخ.

هذه التكنولوجيا مشابهة لاختراع أدوات علمية جديدة. إنها أداة علمية جديدة هامة جدًا، كاختراع التلسكوب أو الميكروسكوب. عندما تتوفر لك أداة جديدة، يعد أي شيء تفحصه جديدًا. على سبيل المثال، عندما تنظر بميكروسكوب إلى جزء من مياه المستنقع، ترى الخلايا للمرة الأولى؛ إنه ما رآه البشر. لاحظ يوينهويك، عندما استخدم الميكروسكوبات للمرة الأولى، وجود الخلايا، والميكروبات، وجدران الخلايا، جميع هذه الأشياء لم نتمكن من رؤيتها ومثلت مفاجآت عظيمة. عندما يكون لديك أداة جديدة، تتمكن من رؤية أشياء جديدة.

عندما بدأت العمل مع سفانتي، عندما كان لدينا بيانات كاملة للجينوم من الإنسان البدائي أو الإنسان القديم – عاش الذين درسناهم مبدئيًا قبل 40,000 عام في كرواتيا وأوروبا – كنت أعلم أن هذه العينات مرتبطة بشكل أوثق بغير الأفريقيين مقارنةً بالأفريقيين. لم ينطوي الأمر على أي شروط، إضافات، أو تحفظات؛ بل كان واضحًا جدًا من الناحية الوراثية وكان هناك طرق عديدة مكنتنا من رؤية أن هذا قد حدث.

منذ ذلك الوقت، أظهر المزيد من الأدلة، وطرق البحث الجديدة، أن غير الأفريقيين اليوم منحدرين من خليط من البشر البدائيين كهؤلاء الذين لدينا بيانات عنهم من كرواتيا، والإنسان المعاصر. تعود نسبةٌ ما تترواح بين واحد و3 بالمئة من أصل غير الأفريقيين اليوم إلى الإنسان البدائي. كانت تلك مفاجأة كبيرة لأنها كانت متعارضة مع المعتقد السائد، لقد فاجئتنا لأنني وسفانتي كنا من عالم في علم الوراثة يُعتبر إلى حد كبير جدًا «خارج أفريقيا».

كنا جزءً من المسيرة المنتصرة للقائلين بإنه لم يكن هناك الكثير من الأصول المستقلة المختلفة للإنسان المعاصر حول العالم، وهو ما اعتقده البعض في الماضي. كان آلان ويلسون، في مختبر سفانتي، ولوكا كافالي سفورزا مشاركين في هذه المسيرة المنتصرة من علماء الوراثة القائلين بأننا جميعًا لدينا أصل مشترك منذ حوالي 50,000 عام خرج من أفريقيا، وهناك جذور أعمق للتنوع البشري في أفريقيا.

تعد نظرية تعدد الأصول، فكرة الأصول المتعددة المستقلة والتطور المتوازي مع التبادل الجيني في أماكن مختلفة، بشكل أساسي، خاطئة

تعد نظرية تعدد الأصول، فكرة الأصول المتعددة المستقلة والتطور المتوازي مع التبادل الجيني في أماكن مختلفة، بشكل أساسي، خاطئة بمعني أن الحكاية الأساسية تقول إن معظم نسبنا يأتي من أفريقيا – 98 بالمئة منه بالنسبة لغير الأفارقة – قبل حوالي 50,000 أو 100,000 عام، أو في مرحلة ما ضمن هذا النطاق. وهذه هي القصة في الأساس. هذه هي الحالة التي يوضحها الحمض النووي، ويقدم معلومات جديدة بطريقة قوية للغاية.

إنه نوع جديد تمامًا من المعلومات عن الماضي؛ إنه هدية عظيمة أن نتمكن من الوصول إليه. إنها مفاجأة عظيمة. من كان ليظن أن الحمض النووي سيصمد طوال هذه الفترة الطويلة؟ إنه يقدم معلومات مباشرة عن علاقات السكان، ويسمح لك بربط الهياكل العظمية التي تحصل منها على البيانات بالثقافات الأثرية وبالإنسان القديم الآخر المختلف والإنسان المعاصر. إنها تكنولوجيا مذهلة.

المدخل الذي لدينا حاليًا لعصر ما قبل التاريخ متاح من خلال علم اللغة وعلم الآثار، كلاهما مجالات هامة ومثيرة. علم اللغة هو علم دراسة اللغات وعلاقاتها وإعادة بناء لغات الأجداد، ويقدم معلومات عما كانت عليه اللغات قبل اختراع الكتابة، لأن الأجزاء الصغيرة من اللغة موروثة من خلال أنظمة الكلمة.

وعلى غرار ذلك، يقدم علم الآثار سجلات للثقافة المادية – الأدوات الحجرية، والتحف الأخرى التي خلفها البشر وراءهم، بالإضافة إلى بعض الهياكل العظمية البشرية. لكن فهم كيفية ارتباط البشر ببعضهم البعض كان مستحيلًا تقريبًا بناء على أدلة علم الآثار وعلم اللغة.

تقول خبرتي في التعاون مع سفانتي منذ عام 2007 إن البيانات التي درسناها من العينات المدهشة التي لديهم أسفرت عن مفاجأة تلو الأخرى. لم يتسن لأحد قط فحص بيانات كهذه من قبل. أولًا، كان هناك الإنسان البدائي، ثم كان هناك عظمة الخنصر من جنوب سيبيريا. وفي نهاية مشروع الإنسان البدائي، أبلغني سفانتي أن لدينا هذه البيانات المذهلة بعرض الجينوم من إنسان قديم آخر، من عظمة خنصر صغيرة خاصة بفتاة صغيرة من كهف بجنوب سيبيريا، وسأل ما إذا كنت أود المشاركة في تحليلها.

عندما حللناها، ظهرت مفاجأة مذهلة: هذا الفرد لم يكن إنسانًا بدائيًا. بل كان في الواقع أبعد صلة بالإنسان البدائي مقارنة بأي إنسانين اليوم، ولم يكن إنسانًا معاصرًا. كان قريبًا ما بعيد الصلة جدًا للإنسان البدائي الذي كان يعيش في سيبيريا بآسيا الوسطى في الوقت الذي عاشت فيه هذه الفتاة.

عندما حللنا حينوم هذه الفتاة الصغيرة، رأينا أنها كانت مرتبطة بأشخاص في غينيا الجديدة وأستراليا. ساهم أحد أقربائها بحوالي 5 بالمئة من جينومات أشخاص في غينيا الجديدة وأستراليا وأقارب آخرين – إنه حدث تهجين لم يعلم بشأنه أحد من قبل. كان الأمر غير متوقعًا بالكامل. لم يكن ضمن فلسفة أو توقع أحد. لقد كان حدثًا مدفوعًا بالبيانات وليس بالافتراضات أو الأفكار المسبقة.

سنكمل المحادثة في الجزء القادم