نريد إقامة منطقة آمنة في سوريا، سأذهب إلى دول الخليج التي لا تقوم بالكثير، فهي لا تملك شيئًا غير الأموال. لدينا دين عام يقدر بـ 19 تريليون دولار، ولن ندفع هذه الأموال؛ هم من سيدفعون.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إحدى جولاته الانتخابية

هذه السياسات بدأها أوباما

على الرغم من التصريحات النارية لترامب تجاه دول الخليج وخاصة السعودية، إلا أن هذا التحول سبقه إليه الرئيس باراك أوباما، فقد اتخذ خطوات فعلية في تخفيف الالتزام الأميركي تجاه دول التعاون، وذلك بداية من سياسة تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، وتخفيف الانخراط العسكري المباشر في أزمات المنطقة، والسماح بدور أكبر لدول إقليمية في المنطقة والتي أثرت بدورها على رؤيته للعلاقة بين الجانبين.

وبدت دلائل التغير في سياسة أوباما تجاه الخليج في الملف النووي الإيراني، الذي لجأ إلى تسويته دون الأخذ في الاعتبار مخاوف الخليج وعدم رهن تسوية القضية بإجبار طهران على إنهاء سلوكها العدواني في المنطقة، وهذا ما جعل إيران تعتبر الاتفاق النووي والتصالح الغربي الأميركي معها رسالة قبول لدورها في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق واليمن.

وبالإضافة لملف إيران،حمّل أوباما بعض دول الخليج وخاصة السعودية مسئولية انتشار التطرف بشكل واضح، وذلك في مقابلته مع مجلة «ذي أتلانتيك» في مارس/آذار الماضي، كما اتهم دولًا خليجية بجر واشنطن إلى حروب طائفية في المنطقة ليست في حاجة لأن تتورط فيها.

ولم تكفِ معارضة أوباما لوقف قانون جاستا، الذي صدر في النهاية ليضع مزيدًا من التعقيد في مستقبل التحالف بين الجانبين، إذ تيقن الخليج من أن واشنطن لم تعد تهتم كثيرًا بحلفائها في الشرق الأوسط، وجاء ترامب ليكون بمثابة ضربة قاصمة ويضفي المزيد من الغموض على هذه العلاقة.

اقرأ أيضًا:أمريكا والخليج: علاقات قيد التهديد


ترامب يعادي الخليج

هاجم ترامب خلال حملته الانتخابية دول الخليج بشدة، واتهمها بدعم الإرهاب، إضافةًلإعلانه أن دول الخليج بدون الحماية والدعم الأميركيين لم يكن لها وجود، وهو ما جعلها مثل الكثيرين تفضل العمل مع هيلاري كلينتون، ودعمها في حملتها الانتخابية، رغم مهاجمتها هي الأخرى للخليج واتهامها إياه بدعم الإرهاب وإعلانها تأييد قانون جاستا، ولكن خابت آمالهم ووصل ترامب إلى السلطة وهو ما يجعلهم الآن ينشغلون بسؤال جوهري وهو:: كيف نتعامل مع هذا الشيء الغامض؟.

اقرأ أيضًا:خط زمني لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب «جاستا»

«الآن لا يستطيع أحد إزعاج السعودية لأننا نرعاها، وهم لا يدفعون لنا ثمنًا عادلًا. إننا نخسر كل شيء». كانت هذه إحدى تصريحات ترامب عن دولة خليجية والتي كشفت عن رؤيته المستقبلية، فهو يرى أنهم خزائن ممتلئة بفضل حماية بلاده لهم، ومع ذلك لا يدفعون مقابلًا عادلًا. يبدو أنهم إذن سيدفعون أكثر من الأموال وسيخضعون لمزيد من الابتزاز سواء من قبل واشنطن أو غيرها والذي سيستغل تخوفهم في تقديم أنفسهم كبدائل أو شركاء.

وارتكبت دول الخليج خطأً فادحًا باعتمادها على مؤسسة الرئاسة، فهي لم تُحسن الوصول إلى مراكز القوى الأخرى مثل الكونجرس، وظهر ذلك في تبنيه «جاستا» إضافة إلى فشلها في تحسين صورتها لدى الرأي العام الأميركي، رغم ما دفعته إلى شركات العلاقات العامة واللوبيات وبهذا أصبحت بدون مؤسسة أميركية قوية تعتمد عليها باستثناء شركات السلاح، وبعض العلاقات الاقتصادية، والتي قد تكون مدخلًا مناسبًا لتعزيز هذه العلاقة.

وبعد ظهور النتائج حاول ترامب تهدئة حدة تصريحاته السابقة من خلال مستشاريه وأبرزهم وليد فارس، مستشاره للشؤون الخارجية، الذي أوضح أنه عندما يتسلم ترامب مسؤولياته، سيعيد علاقات التحالف مع دول الخليج وسيعزز أيضًا مرحلة الشراكة، وسيطوي مرحلة التخلي التي اتبعها أوباما، بل سيحمي الخليج من الخطر الداعشي والإيراني إضافة إلى دعم العلاقات الاقتصادية.

وفي تأكيد آخر شدّد فارس على أن حكومة ترامب ستشكل ائتلافًا مع دول الخليج ومصر والأردن ضد الإرهاب، واعتبر أن أوباما عارض خلال رئاسته تشكيل هذا الحلف من أجل إنجاح الاتفاق النووي الإيراني.

ولم تولِ دول الخليج الاهتمام بمثل هذه التصريحات الإعلامية، فهي لم تأتِ من ترامب أو أوباما الذي قاد عدة جولات مع حلفائه الأوروبيين لطمأنتهم على مستقبل التحالف، ولم يشغل باله كثيرًا لطمأنة الخليج المترقب، ومثله ترامب الذي لم يلتقِ أو يُجرِ اتصالات جدية مع دول الخليج لتوضيح مستقبل العلاقات بينهما وسبل معالجة القضايا المشتركة كما فعل مع غيرهم.


الخليج بين المفاجأة والتحرك

صُدمت دول الخليج بفوز ترامب وإن كان بعضهم يرى أن الرئيس الجديد لن يؤثر كثيرًا، فالتخلي عنهم بدأه أوباما وإن فازت كلينتون كانت ستستمر فيه، ترامب فقط قد يعجل به. ولهذا بدأت دول الخليج إعادة النظر في الحليف الأميركي منذ ثورات الربيع العربي مرورًا بسقوط اليمن في أيدي الحوثيين والاتفاق النووي الإيراني، والاتهامات المتكررة بدعم الإرهاب ورعايته وصولًا إلى قانون «جاستا».

وتجلى ذلك في سرعة التحرك الخليجي بقيادة السعودية بالتدخل العسكري في اليمن لمنع إيران من الوجود في جوارها عبر الحوثيين، فقد سقطت العراق من قبل ومثلها سوريا ولبنان، وسط تخاذل إن لم يكن تواطؤ أمريكي، ولهذا تعمل دول الخليج على تكوين جبهة قوية عربية وإسلامية؛ لمنع إيران من التمدد أكثر من ذلك، فهي لن تستطيع هزيمتها فيما تقدمت فيه فقد انتهى أوان ذلك.

وإضافة إلى تكوين جبهة عربيةـ إسلامية للتصدي للتدخلات الإيرانية وتسريع وتيرة التسلح كمًا ونوعًا، عمدت إلى تنويع تحالفاتها الدولية، سواء مع روسيا أو الصين رغم الخلافات وخاصة في ملفي إيران وسوريا، فهي مضطرة إلى التعامل ببراجماتية مع هذا التحول، إضافة إلى تعزيز التعاون مع دول حلف الناتو وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في محاولةٍ لسد الفراغ الأميركي.

ولم تستعد دول الخليج لهذا التغير المحتمل بالتعاون والتحالفات الإقليمية والدولية فقط، ولكن بدأت في تهيئة الداخل للتخلي عن الرفاهية التي اعتادوا عليها. فالإنفاق العسكري ومحاولة شراء حلفاء ووكلاء جدد وتوسيع التدخلات العسكرية سيكلفها كثيرًا، إلى جانب احتمالية الرضوخ لتهديدات ترامب وهي «المزيد من الدفاع مقابل الحماية»، وسيزيد من هذه الأعباء أيضًا انخفاض أسعار النفط.


مستقبل العلاقات

أخطأت دول الخليج باعتمادها على مؤسسة الرئاسة دون محاولة الوصول لمراكز أخرى في القيادة الأمريكية، كما لم تسعى لتحسين صورتها في الشارع الأمريكي.

http://gty.im/473199638

ما بين الغموض الأميركي والترقب الخليجي من المرجح أن يكون هناك تغير في علاقات الجانبين، ولكن لن يكون تخليًا بشكل كامل أو قطيعة، فكلاهما بحاجة للآخر، فالعلاقات لا يحكمها الأشخاص فقط ولكن مؤسسات وأنظمة سياسية ومصالح متبادلة.

الولايات المتحدة ما زالت تحتاج إلى الخليج في التعاون الأمني والعسكري، فهم يحتضنون الكثير من قواعدها في المنطقة، إضافة إلى الاستثمارات الخليجية في أمريكا، فالسعودية وحدها تملك هناك ما يتخطى الـ700 مليار دولار، وكانت قد هددت بسحبها من قبل في حال إقرار جاستا لكنها لم تفعل، فهي في حاجة إلى بقاء أموالها هناك مثل الأميركيين؛ لأنها مصالح مشتركة لن يؤثر الأشخاص أو التصريحات حاليًا عليها، ولكن على المدى البعيد قد تمهد هذه التحركات إلى تحولات مزلزلة.

اقرأ أيضًا:هل نرى آل سعود في المحاكم الأمريكية قريبًا؟

ما يقلق الخليج الآن ليس فقط ترامب ولكن التغير تجاههم سواء داخل الكونجرس أو الرأي العام الأميركي، الذي أثّر كثيرًا على توجهات الساسة، فقد تباروا في إظهار ذلك في خطاباتهم مثل كلينتون وترامب أثناء حملاتهم الانتخابية ومواقفهم مثل تبني الكونجرس، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين لجاستا بأغلبية ساحقة وتخطيه لفيتو أوباما والذي سبقهم من قبل بمهاجمة الخليج.

وتشعر دول الخليج الآن بحيرة من أمرها، فهي تكاد لا تقيم علاقات قوية مع الأعضاء المحتملين في إدارة ترامب، التي كشفت التشكيلات المبدئية فيها عن أناس معروف عنهم التطرف ومعاداتهم للمسلمين والمهاجرين مثل من أتى بهم، وبما أنهم يُحمّلون دول الخليج جزءًا من هذا التطرف فإنه قد تنشأ صعوبات لن يتغلب عليها سوى المال كما طلب ترامب.

ولهذا على دول الخليج ألا تنجر كثيرًا إلى القطيعة مع واشنطن؛ فهي بحاجة إليها، وهي مدينة بالكثير إلى ما قدمته أمريكا لها من حماية ودعم رغم أن هذا لم يكن بالمجان فقد دفعوا فيه ما هو أكثر من المال، وعليها أن تحاول إقامة علاقات ليس فقط مع ترامب ولكن تحسين صورتها أمام الرأي العام الأميركي وتقوية علاقتها مع الكونجرس والذي يقدر على عرقلة ترامب كما فعل مع أوباما من قبل.