في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تمكن رجل الأعمال الجمهوري ذائع الصيت «دونالد ترامب» من حصد الأصوات الكافية في المجمع الانتخابي لهزيمة غريمته الديمقراطية «هيلاري كلينتون» في الانتخابات الرئاسية ، ليصبح الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأمريكية، فيما اعتبره مؤيدوه نصرا تاريخيا، ووصفه آخرون بأنه يوم أسود في تاريخ أمريكا.

ورغم أن القضايا العلمية لم تلعب دورا محوريا في أي من الحملتين، إلا أن صعود ترامب أثار موجة من القلق بين الباحثين والعاملين في المجال العلمي، لتتراوح ردود الأفعال بين التشاؤم والترقب الحذر.

على لسان «فريد جاتل» رئيس تحرير مجلة «ساينتفيك أمريكان نقل موقع فوكس الإخباري قوله : «يبدو بشكل واضح أنه سيكون رئيسا مناهضا للعلم»، في إشارة إلى دونالد ترامب الرئيس المنتخب حديثا.

ويكمل تقرير فوكس الذي حمل عنوان «كرئيس.. ترامب سيشكل مسار العلم، والعلماء قلقون»، بالتذكير بتصريحات ترامب المناهضة للعلم، كوصفه لأزمة المناخ بأنها خدعة بدعتها الصين، وتصديقه بوجود رابط بين اللقاحات ومرض التوحد، كما اختار ترامب «مايك بينس» لمنصب نائب الرئيس، وهو الرجل المسيحي المحافظ الذي عرف بانتقاده الإدارة الأمريكية السابقة لدعمها أبحاث الخلايا الجذعية، كما تشكيكه في أزمة المناخ ونظرية التطور.

رسالة غريبة من عالم الأحياء التطورية البريطاني «ريتشارد دوكنز» إلى نيوزيلندا، يعرضها موقع مجلة «ساينتفيك أمريكان» التي طلبت من مستشاريه العلميين، الإدلاء بآرائهم في نتائج الانتخابات الأخيرة على مسار العلم. حيث ناشد العالم المرموق «دوكنز» حكومة نيوزيلندا في رسالة تهكمية على الوضع الحالي، دعوة كبار العلماء من بريطانيا والولايات المتحدة إلى نيوزيلندا ومنحهم حق المواطنة، لتنقذهم من الضربة القاسية التي سيتعرض لها العلم، بعد أن تعرضت أكبر دولتين ناطقتين بالإنجليزية لكارثة على يد غير المتعلمين من الناخبين على حد قوله.

عدم تطرق حملة ترامب للقضايا العلمية، وتصريحاته المتضاربة، تبقي عددًا من الباحثين في حالة ترقب، بانتظار التمييز بين ترامب المرشح وترامب الرئيس

على كل حال لم تكن كل ردود الأفعال في الوسط العلمي بتلك الحدة، عدم تطرق حملة ترامب للقضايا العلمية بالتفصيل، وفي ظل تصريحاته المتضاربة والمتغيرة دائما، يبقى عدد كبير من الباحثين في حالة ترقب، بانتظار التمييز بين ترامب المرشح وترامب الرئيس المنتخب.

من موقع دورية «ساينس» العلمية المرموقة، يتساءل «بنجامين كورب» مدير الشؤون العامة للجمعية الأمريكية للكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية، من أين سيختار ترامب مرشحيه للمناصب العلمية؟، موضحا صعوبة التكهن بسبب غياب روابط واضحة بين حملة ترامب والمجتمع العلمي.

ومن تقرير سابق «لنيتشر» نشر في شهر يوليو/تموز الماضي، يقول «مايكل ورنر» مدير إحدى الحملات المؤيدية للطب التجديدي: :إذا فاز ترامب بالانتخابات، فإن بينس و حلفاؤه قد يسعون لتقليص التمويل الحكومي لأبحاث الخلايا الجذعية، إلا أن توقع كيفية تعامل ترامب مع القضية هي عملية صعبة وخطيرة» وأضاف: «نحن لا نعرف بالفعل ما الذي قد تفعله إدارة ترامب-بينس»

من ناحيتها أعادت الكاتبة العلمية «كريستين جورمان» نشر الأسئلة العلمية التي عرضت على حملة ترامب قبل انتخابه، معلقة «من الصعب التكهن ما الذي سيفعله الرئيس المنتخب ترامب في القضايا العلمية لأنه لم يتطرق إلى الكثير من التفاصيل، إلا أن تلك الإجابات قد تقدم أدلة على اتجاهات سياسته»، فيما قلل كتاب آخرون من أهمية تلك الإجابات حيث أنها على الأغلب قد كتبت من قبل مسؤولي الحملة، ولا تعبر عن آراء ترامب الحقيقة.

اقرأ إجابات ترامب ومنافسيه السابقين على الأسئلة العلمية

وطالت حالة الغموض تلك مؤيدي ترامب كذلك، ففي تقرير صدر الشهر الماضي من دورية «نيتشر» بعنوان «العلماء الذين يؤيدون ترامب»، كتبت «سارة ريدون» أن الكثير من الباحثين الذين حاورتهم لأجل هذا التقرير، يشيرون أن موقف ترامب أو كلينتون من العلم، لم يكن عاملا مؤثرا على تصويتهم، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المرشحين تجاهلا القضايا العلمية في حملتيهما.

كايلي –التي رفضت ذكر اسمها الحقيقي لنيتشر-، تقول أن آرائها الكاثوليكية المحافظة غير مرحب بها في الأوساط الأكاديمية التي ينتشر فيها الليبراليون، وأنها تامل من خلال انتخاب ترامب أن تدفع أيدولوجية المحكمة العليا إلى اليمين قليلا، حيث سيقوم الرئيس المنتخب بترشيح قاضي جديد لمنصب يستمر مدى الحياة.

بينما يشير «وليام بريجز» عالم الإحصاء من جامعة كورنيل بنيويورك، أنه معجب بحقيقة أن ترامب لم يهتم بالعلم، فالحكومة الفيدرالية تدخلت بما فيه الكفاية في الحياة العلمية، كما اتهم أوباما بسوء استخدام العلم في جدال مشحون سياسيا حول أزمة المناخ والطاقة.


هل يمتلك «ترامب» أي سلطة على العلم؟

يجيب «ديفيد مالكوف» على هذا السؤال «بنعم»، حيث يوضح في مقاله الأخير المنشور على موقع ساينس بعنوان «انتهت الانتخابات..من الذي سيشغل الوظائف العلمية الرئيسية؟»، إن رئيس جديد يعني حكومة جديدة وطاقم جديد من الموظفين السياسيين، حوالي 4000 منصب رفيع المستوى على مستوى الحكومة الاتحادية، بداية من مستشار علمي جديد للبيت الأبيض إلى رؤساء الوكالات العلمية، شاملة وزارة الطاقة و وكالة ناسا الفضائية، معاهد الصحة الوطنية والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، إلا أن كل تلك المناصب تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ.

إلا أن ذلك على كل حال لن يقف عائقا في وجه ترامب إذا أراد تطبيق أجندته الخاصة فيما يخص القضايا العلمية، لقد استعاد الجمهوريين سيطرتهم على الكونجرس، بأغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

وبعنوان «الفيزياء لا تعبأ بهوية الرئيس المنتخب» في «الساينتفيك أمريكان»، لا يرى «بريان كان» أن ترامب يملك سلطة على العلم، فباستطاعته تغيير قوانين الولايات المتحدة، إلا أن قوانين الفيزياء والغلاف الجوي لن تتغير، مذكرا في مقاله بأهم العواقب التي سيشهدها العالم إذا أهملت قضية المناخ.

بالعودة مرة أخرى إلى موقع «ساينس» كتب «جيفري مريفيز» في مقالة قصيرة بعنوان «هذه نصيحة لك.. أيها الرئيس ترامب من العلماء»، شملت بشكل أساسي التأكيد على أهمية اختيار عالم أو مهندس يحظى بإجماع وطني من كافة الأطراف لينال منصب المستشار العلمي، ويقوم هو بدوره بترشيح أسماء مناسبة للمناصب العلمية المرموقة، كما حذر خلال المقالة من اتباع نهج بوش الإبن في الاهتمام بتوجهات العلماء السياسية أكثر من كفاءتهم العلمية.


المناخ وهجرة العقول

تغيير الرئيس يعني عادة طاقم جديد من الموظفين والمسؤولين، ويشمل ذلك منصب المستشار العلمي ورؤساء الوكالات العلمية ووزارة الطاقة وناسا وغيرهم
وصف ترامب أزمة المناخ بخدعة صينية، واختار «ميرون بيل» أحد المشككين في أزمة المناخ ليرأس الفريق الانتقالي لوكالة حماية البيئة الأمريكية

تطفو قضية المناخ على السطح، عند الحديث على تأثير ترامب على القضايا العلمية الراهنة، فهي الوحيدة التي حظيت باهتمامه خلال فترة ترشحه، وصف أزمة المناخ بخدعة صينية، وتعهد بإلغاء «اتفاقية باريس للمناخ»، واختار «ميرون بيل» أحد المشككين في أزمة المناخ ليرأس الفريق الانتقالي لوكالة حماية البيئة الأمريكية.

وفقا لنيتشر، لن يستطيع ترامب بسهولة التملص من الاتفاقية قانونيا، إلا أنه قد يكون عاملا مؤثرا في مفاوضات المناخ التي تجري حاليا في العاصمة المغربية «مراكش»، والتي تبحث آلية تطبيق الاتفاقية، كما أن تعديله لسياسات الولايات المتحدة والقيود التي تفرضها على مصادر الطاقة الأحفورية، قد تفرغ الاتفاقية من محتواها.

من ناحية أخرى قد لا يكون المناخ العام للولايات المتحدة حاليا جاذبا للباحثين من أنحاء العالم، فقد وعد ترامب خلال حملته بحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة وبناء جدار على طول الحدود مع المكسيك، ما قد يسلب أمريكا أحد أهم مقوماتها للتميز في البحث العلمي، وهو لقاء العقول المستنيرة من أنحاء العالم.

بحسب تقرير نيتشر الصادر شهر أبريل/نيسان الماضي عن تأثير منع الهجرة على البحث العلمي في الولايات المتحدة، فإن قرابة 5% من الطلبة في الولايات المتحدة مغتربين، يدرس قرابة 400 ألف فرد منهم العلوم الطبيعية والهندسة والتكنولوجيا.

«لقد كنا دائما أمة ترحب بالعقول العلمية التي تأتينا من دول أخرى، لا نريد لذلك أن يتغير»، هكذا تحدثت «ماري وولي» رئيس أحد المجموعات الداعمة للبحث العلمي في أمريكا.

إذا كنت من العاملين في المجال العلمي داخل أو خارج الولايات المتحدة، يمكنك إرسال رأيك لموقع نيشتر على الرابط التالي، كما يمكنك متابعة ردود أفعال العلماء من أنحاء العالم على نتائج الانتخابات الأمريكية من نفس الرابط