كأصابع ديناميت على وشك الانفجار.

هكذا وصفهم الإعلان الترويجي للفيلم في نسخته السينمائية، عام 1957م. تصدّر الإعلان الترويجي أيضًا بهذه الكلمات «الحياة في أيديهم، والموت في عقولهم».

قبلها بثلاثة أعوام، في عام 1954م، كان النصّ الأصلي للعمل (12 رجلًا غاضبًا) تمّ تقديمه للجمهور في شكل مسرحية لنفس الكاتب ريجنالد روز، ثم جاءت النسخة السينمائية عام 1957م، من إخراج سيدني لوميت، لتترشّح لثلاث جوائز أوسكار (أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل سيناريو)، وليتمّ ضمّ الفيلم في 2007م إلى الأرشيف الوطني السينمائي باعتباره «أثرًا حضاريًا وتاريخيَا وجَماليًا». وأعيد إنتاج نسخة أخرى ملوّنة من الفيلم في أمريكا في التسعينات، كما صدرت له نسخة روسية، كان المتهم فيها طفلاً شيشانيًا!

4355100761439020313-twelve_angry_men
4355100761439020313-twelve_angry_men

12 رجلا غاضبا

يأتي هذا الفيلم على صدارة قائمة الأفلام التي تناولت تفاصيل دور أعضاء «هيئة المحلّفين»، وتضمّ القائمة أيضًا: فيلم The Jurer (أنتج عام 1996م، وقامت ببطولته ديمي مور وأليك بالدوين)، وفيلم Runaway Jury (أنتج في 2003م، من بطولة داستين هوفمان و جين هاكمان).

تُعَدّ أحداث فيلم (12 رجلًا غاضبًا)، التي تحكي عن مداولات بين هيئة محلّفين في قضية جنائية من الدرجة الأولى «قتل عمد»، للحُكم على الصبي المتهم فيها بالإعدام بالكرسي الكهربائي. محلّف واحد فقط من بين الإثني عشر كان يشكّ في كون الصبيّ مذنبًا؛ هكذا تدور أحداث الفيلم لنرى كيف سيتمكّن من تحويل قناعات بقية المحلفين إلى الشكّ في كون الصبيّ المتهم مذنبًا، تعدّ هذه الأحداث نموذجًا يتم تدريسه والاسترشاد به في مهارات الإقناع والتفاوض والجدال والمناظرة، وأحيانا فضّ النزاعات، لكن الفيلم يتضمّن من الناحية الإجرائيًة والفلسفية ما ينبغي إلقاء الضوء على بعض جوانبه.


دعنا لا ننكر أننا كثيرًا ما كنا نشاهد أفلامًا أمريكية، تحوي مشاهدها التي تدور داخل قاعة محكمة، مجموعة من المواطنين الهادئين يجلسون بانتظام على الجانب الأيمن من القاضي، يستمعون ويشاهدون فقط ما يجري، وبعد ذلك فجأة نجد القاضي يسألهم (ما الذي توصّلت إليه هيئة المحلّفين المحترمة؟) فيقوم أحدهم ويقول: (توصلنا إلى أن المتهم مذنب/ أو غير مذنب)! هكذا فقط؟! ويظلّ الغموض يلفّ طبيعة صلاحية هذه المجموعة -هيئة المحلفين- ودورهم القانوني، وعلى أي أساس اعتمدوا في حكمهم، وكيف قرّروا هذا الحُكم مجتمعين؟ متى اجتعموا أصلا؟ وأين؟ وهكذا. أسئلة كثيرة لم تكن تقدّم فيها هذه المشاهد العابرة إجابة.

غير أن أفلامًا كـ (12 رجلاً غاضبًا) تضمّنت عرضًا لا بأس به للناحية الإجرائية لهيئة المحلّفين.

تاريخيًا، بدأ ظهور نظام المحلّفين إبان الحكم الملكي في إنجلترا بهدف كفّ جماح الملك عن التمادي في الظلم أثناء الحكم في القضايا على المدنين، كانت الفكرة حينها أن يشترك مدنيون في نظر الحُكم مع الملك، لإمداده برأيهم الحاسم في القضية، وهكذا، حتى تبلورت صورة هيئة المحلّفين في صورتها المعروفة الآن، وانتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتم إقرارها في دستور 1787م. وجرى العمل على كون المشاركة في هيئة المحلفين يعدّ نوعًا من الخدمة الإلزامية، بل ويتمّ تعويض المواطن عن فترة عمله كمحلّف في قضيّة ما، في حال غاب عن عمله، باعتبارها أجازة مدفوعة الأجر. وصار الأمر ثقافة منتشرة، فمن المعتاد جدًا انتشار كتب في المجتمع الأمريكي تهتم بتثقيف أعضاء هيئة المحلفين وتدربهم على التفكير المنطقي وموازنة الحجج وما شابه، هذا بخلاف كتيّبات المبادئ والتوجيهات والقواعد القانونية التي تُسَلّم لأعضاء هيئة المحلفين قانونيًا.

وفقًا للدستور الأمريكي إذًا، ووفقا لما هو معمول به؛ فأيّ مواطن أمريكي يُعدّ صالحًا للخدمة كمحلّف، بشرط بلوغه 21 عامًا، ومضيّ عامين على الأقل من إقامته في الولاية التي تجري فيها المحاكمة. هذا، ما لَم يكن مدانًا في حكم داخل الولاية أو لا يستطيع القراءة والكتابة والفهم بالإنجليزية أو مصابًا بعلّة بدنية أو عقلية تمنعه من ممارسة دوره كمحلّف بطريقة فاعلة؛ فإنه يتمّ استبعاده.


إجرائيًا، تُعرّف هيئة المحلّفين بأنها: (نظام يشترك من خلاله المواطن كفاعل في عملية تطبيق العدالة الجنائية). وتتكوّن عادة من 12 عضوًا يتمّ اختيارهم بالاقتراع السرّي. وتوجد من هيئات المحلفين صورتان: الأولى: هيئة كبرى تحدد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لإصدار اتهام ضد إنسان ما بجرم معين. والثانية: هيئة صغرى تستمع إلى الوقائع لتصدر قرارها بالإدانة أوالبراءة في حق المتهم. والهيئة التي رأيناها في فيلم (12 رجلاً غاضبًا) من النوع الثاني.

في الوقت الذي تتركّز فيه مهمّة القاضي «القانوني» بالفصل في المسائل القانونية من خلال تقريره كيف يتمّ تطبيق القانون في ضوء مجموعة معيّنة من الحقائق أمامه؛تتّسع مهمة هيئة المحلفين (قضاة الواقع) إلى تحديد وقائع هذه القضية وفقًا لقواعد التفكير المنطقية والقانونية، ثم بناءً عليها يتوصّلون – بالإجماع – إلى نتيجة نهائية يقدّمونها إلى القاضي القانوني ليحكم على أساسها.

هذا الشكل الإجرائي – المعمول به في عشرات الدول حول العالم – ينطوي على سِمات فلسفية للعمل به، أهمّها:

– تحقيق المبدأ الديمقراطي في تمثيل الشعب في كافة سلطات الدولة، بما فيها السُلطة القضائية.

– عدم انفراد القاضي القانوني بمركزية الحكم في القضية؛ فهو بشرٌ أولاً وآخرًا وقد يتعرض لإغراء الرشاوى بأنواعها (مالية أو عينية أو جنسية)، وقد يقع في الخطأ أو الهوى أو قد يتعرّض لضغوط وتهديدات مصلحية أو وجودية، يتغيّر على أساس أيٍ منها الحكم الصحيح للقضية.

– كسر طابع الجمود المهني الذي قد يؤدي بالقضاء إلى الوقوع في الأخطاء.

– ضمان عدم انحياز القضاة إلى مصالح طبقتهم، والتي قد تصل بهم إلى أن يتحولوا إلى “أقلية ذات مصلحة” ربما تكون سياسية، كما في بعض الدول التي لا تعمل بنظام هيئة المحلفين في أنظمتها القضائية.


أخطر ما في القضايا الجنائية، أن العقوبة فيها تصل إلى حرمان الإنسان من حقوقة الأصليّة؛ فقد يتمّ الحكم فيها بالحبس (وهو حرمان للإنسان من حقّه في الحريّة)، وقد يتمّ الحكم فيها بالإعدام (وهو حرمان للإنسان من حقّه في الحياة). لذا؛ ينبغي أن يكون الحُكم فيها بالعقوبة مبنيًا على أدلة واضحة ومقنعة، لا يتطرّق إليها الشكّ بأيّ نسبة على الإطلاق.

في أحداث الفيلم، يواجه الصبي المتهم (18 عاما) اتهامًا من الدرجة الأولى بالقتل العمد لوالده بآلة حادة، في وجود شهود وأداة جريمة، وينتظره حُكمٌ بالإعدام على الكرسي الكهربائي، وحرمانه من حقّه الأصيل في الحياة. سيتقرّر هذا الحكم بناءً على قرار هيئة المحلّفين باستحقاقه للعقوبة من عدمه.

تأتي وظيفة هيئة الادّعاء في سياق تقديم الأدلة الواضحة على كون المتّهم مذنبًا مستحقًا للعقوبة؛ وفي المقابل تتركّز وظيفة هيئة الدفاع عن المتّهم في جوهرها على محاولة الحفاظ على حقّ المتهم في الحريّة (بعدم حبسه)، وحقّه في الحياة (بعدم إعدامه) من خلال تفنيد الأدلة والاتهامات الموجّهة إلى المتّهم.

لكنّ محامي الصبيّ – كما وضح في سياق الأحداث – لم يقُم بدوره كما ينبغي، على مدار ستّة أشهر – هي مدة سريان القضيّة – لم يفعل، ربّما لغباءٍ منه أو لسوءٍ تقديرٍ للأمور أولإهمالٍ جسيمٍ.

هنا تظهر (فكرة حقوق الإنسان) كبُعد فلسفي محوريّ يتناوله الفيلم. فتقصير المحامي أو غباؤه أو إهماله في أداء واجبه في الدفاع عن المتّهم وتفنيد الأدلة، في ما قبل ادّعاءٍ نظّم أدلّته وبراهينه، أنتَج لنا هذا الموقف المصيري: أننا على أعتاب كلمة واحدة من هيئة المحلفين تحدّد مصير الصبيّ المتهم. وهو ما أنتج بدوره اتجاهين داخل هيئة المحلفين:

– اتجاه اتكالي: يرى أنّ الأمور منتهية وبوضوح، ولا دخل لنا في تقصير المحامي في عمله. ولن نتحمّله أو نقوم بدوره نيابة عنه.

– واتجاه مسؤول: يمارس مسؤوليته في إحقاق حقّ هذا الإنسان في الحياة (ولو كان صبيًا متهما بجريمة قتل من الدرجة الأولى)، خاصةً في وجود ما يسوّغ ذلك.

هنا تبزر فلسفة حقوق الإنسان في سياقها المجتمعي القائم على الإحقاق والاستحقاق، ومراوحتها بين «الحق» كواجب «انتزاعيّ» في حقّ الذات، و«الحق ذاته» كواجب «إلزامي أدائي» في حق الغير، كما يوضّحه مارتي كوسكينيمي:

عند الانخراط في خطاب تشريعي يعترف كل شخص بالآخر باعتباره حاملًا للحقوق والواجبات من حقه أن يفيد منها، وأن يكون مدينا بالالتزام بها تجاه أحدهم الآخر.
فكرة حقوق الإنسان – تشارلز بيتز ص292.

وإذا كانت فكرة حقوق الإنسان طارئة على الممارسة السياسية في عصور الحداثة وما بعدها، وأخذت توجّهات استغلالية انتهازية في حق الأنظمة، إحسانية مصلحية في حق الشعوب، فإن هناك توجّهات في المقابل ترى أنها ممارسة مجتمعية متأصلة خاصة في المجتمعات المستقرة، وهو ما يُفتَرض أن المجتمع الأمريكي الذي جرت داخله أحداث الفيلم كذلك.

وهذا الجانب هو ما مارسه وبادر به المحلف رقم 8، الذي كان الوحيد من بين أعضاء هيئة المحلفين يرى أنّ المتّهم غير مذنب. ليس لأن الأدلّة كاذبة أو ملفّقة، أو لأنه متعاطف مع الصبيّ المتهم ومشفق عليه. فقط هو يستشعر بعض “الشكّ المنطقي” في منطقية الأدلة المقدّمة، وليس معنى أنّ شكّه المنطقي هذا طفيفًا أو هو وحده الذي يتبنّاه، أن ينحّيه جانبًا؛ هناك حياة إنسانٍ على المحكّ، وإذا كنّا سنهدرها فينبغي أن يكون هذا على أساس أدلة مُحكَمة نسبة الشكّ فيها تساوي صفرًا؛ فأرواح الناس ليس ملهاةً نعبث بها.

هنا بدأت رحلة المحلّف رقم 8، لإقناع بقيّة المحلّفين باعتبارية ما لديه من «الشكّ المعقول» في أدلة القضية. لقد تكرّر هذا المصطلح كثيرًا في حوارات الفيلم على لسان القاضي (إذا تكوّن لديكم شك معقول في كون المتهم مذنبًا، عندها يجب أن تقدّموا قرارًا بأن المتهم غير مذنب)، وعلى لسان أعضاء هيئة المحلفين. فماذا الذي يعنيه هذا المصطلح «الشكّ المعقول»؟!

02

الشكّ المعقول مصطلح قانوني معياري معمول به في القضايا الجنائية، ويعني: «الشك الحقيقي القائم على العقل والحس السليم بعد دراسة متأنية ومحايدة لجميع الأدلة».

فلسفة «الشكّ المعقول» بإيجاز، تقوم على أن القضيّة الجنائية لا بدّ للادّعاء أن يقدّم فيها أدلة واضحة لا يتطرّق إليها الشكّ، كي يمكن الحكم على المتهم بالعقوبة بضمير قانوني وإنساني مرتاح. أما إذا تطرّق شكّ حقيقي قائم على العقل والحسّ السليم إلى هذه الأدلة، وهو أولاً آخرًا مجرّد شكّ، فإنه لا يتمّ الحُكم على المتهم بالعقوبة المفضية إلى حبسه أو موته.

هنا تبرز إشكالية؛ هل ستبرّئ مذنبًا لمجرّد وجود شكّ منطقي معتبر في الأدلة؟! «ماذا لو برّأناه وكان في حقيقة الأمر مذنبًا؟» كما قال المحلف رقم 6 للمحلف رقم 8 في المشهد بينهما في الحمّام.

الجواب على هذه الإشكالية تقدّمه القاعدة القانونية (الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة)، وهي من المبادئ المقرّرة في التشريع الجنائي الإسلامي بالمناسبة. ونصّت عليها المحكمة العليا في الولايات المتحدّة في التعديل السادس من الدستور الأمريكي، بصيغة (إن من القيم الأساسية المحدّدة لمجتمعنا أن إدانة شخص بريء أسوأ بكثير من تبرئة شخصٍ مذنب).

هكذا يأتي الإجابة ببساطة: نعم، أن تبرّئ شخصًا مذنبًا أفضل بكثير من أن تدين بريئًا وتعاقبه. في جميع الأحوال، على هذه الصورة، أنت تمنح الأول إضافة لحقوقه الأصليّة وإن كان مذنبًا، وتحفظ على الثاني حقوقه الأصلية دون أن تنتقصها.

إذًا، كان على المحامي أن يستخدم «الشكّ المعقول»، ولم يفعل. وتولّى المحلّف رقم 8 داخل غرفة مداولات المحلّفين هذه المهمة، انطلاقًا من مسؤوليته الحقوقية المجتمعية، مستخدمًا مهاراته العقلية والمهنية (كان مهندسًا معماريًا وهو ما سوّغ له تفنيد الأدلة على أساس وعيه بنمط المعيشة والحركة داخل الأبنية وتقدير المسافات وما إلى ذلك).


ولماذا احتجنا إلى 12 عقلًا كي نتوصّل إلى هذه التفاصيل مجتمعة في الصورة؟ لماذا لم يكُن عقل المحامي الممثّل لهيئة الدفاع كافيًا لإنجاز هذا، وفق ما رأينا في أحداث الفيلم؟

هذا السؤال يأتي في سياق إشكالية العقل والتحيّز، وهي إشكالية فلسفية معتبرة، تناولها د. عبد الوهاب المسيري قائلا:

العقل ليس كيانًا سلبيًا أو متلقيًا يسجّل تفاصيل الواقع كالآلة الصمّاء دون اختيار أو إبداع، وهذا يعود إلى أن العقل الإنساني محدود، ليس بوسعه أن يسجّل كل شيء، ولا بدّ أن يختار بين كمّ التفاصيل الهائل. كما أن المرء لا يدرك الواقع بشكل مادي مباشر، فالواقع لا ينعكس على صفحة عقله البيضاء، وإنما يدركه من خلال نموذج إدراكي معرفي محمّل بالأشواق والأوهام والأهواء والذكريات والأساطير والمصالح. ومن المفارقات أن العقل فعّال وإيجابي، لا لأنه بلا حدود بل لأنه محدود، فهو – كما أسلفنا – بسبب محدوديته ليس بوسعه أن يسجّل كل تفاصيل الواقع، ولذا فهو يستبعد بعضها، ويبقي البعض الآخر، ويضخّم بعض ما تبقّى، ويمنحه مركزيّة، ويهمّش الباقي، وتتمّ عملية الإبقاء والتهميش من خلال خريطة إدراكية تحمل تحيّزاته.
الثقافة والمنهج – ص305

يمثل هذا الاقتباس نموذجًا تفسيريًا لما رأيناه في أحداث الفيلم من انحيازات في مواقف بعض المحلّفين بناءً على أوهام تصوّرات خاطئة أو ذكريات سيئّة أو مجرّد أهواء عابثة، تمركز كل منهم في موقفه حولها، وجاء رسم الشخصيات عبقريًا من صُنّاع العمل في توظيف هذه النقطة. ولا ينفصل هذا عن كلمة القاضي في أول الفيلم (مهمّتكم الآن هي الجلوس ومحاولة فصل الحقائق عن الهوى)، كما تتّضح أهميته في اعتماده كمحور لبعض الأبحاث الأكاديمية حول الفيلم، والتي كانت تتمحور حول أسئلة مترابطة من نوعية: هل كان رأى المحلفين الذين قالوا “مذنب” مبنيًا على حجة صحيحة؟ ولماذا غيروا رأيهم بعد ذلك؟ وهل تتدخّل الأهواء النفسية في سير العدالة؟ وهل كانت مداولات المحلّفين في الفيلم محاكمة للصبيّ المتهم أم للمحلّفين أنفسهم؟! وهكذا يمكنك أن تتبّع ملامح العقليات وتحيّزاتها، وسياق التفاعل بينها،ودلالاته، طوال الأحداث وصولاً إلى النهاية.


أخيرًا، لم يُطلِعنا سياقُ العمل على أسماء أيٍ من الشخصيات، باستثناء السيد “فورمان” المحلّف رقم 1، والذي لا نستطيع أن نجزم ما إذا كان هذا اسمه فعلاً أم وصفًا له بناءً على خلفيته كمساعد مدرّب كرة، ومدير لعملية التصويت.

إلا أن نهاية العمل حملت لنا حوارًا مقتضَبًا ذا مغزي، تعرّف فيه المحلّف رقم 9 (الثاني في التصويت بـ«غير مذنب» واتضح أن اسمه «مكارديل»)، بالمحلّف رقم 8 (الأول في التصويت بـ«غير مذنب» واتّضح أن اسمه «ديفيس»)، ولم نعرف من أسماء المحلّفين سواهما. لماذا هذان المحلّفان تحديدًا؟!

الإجابة يُظهِرها سياق الأحداث، فالمحلف رقم 8 (ديفيس)، هو مَن وضع بذرة «الشكّ المعقول» في سياق مداولات المحلفين، وعندما كادت تصويته اليتيم بـ«غير مذنب» أن يموت أمام بقية تصويتات المحلفين، أحياه له المحلّف رقم 9 (مكارديل) على سبيل الدعم واحترامًا لموقفه، ولولاه لما كنّا وصلنا في نهاية المطاف إلى احتفاظ الصبيّ المتهم بحقّه في الحياة.

والرسالة السامية التي يرسلها هذا الكشف عن أسمائهما: أولئك الذين يكافحون في سبيل إحقاق الحقوق، والداعمون لهم، ينبغي أن نتذكّرهم دائمًا.