على مدار العشرين عامًا الماضية تمكنت الدراما من أن تخترق الوعي الفلسطيني عبر الشاشة الفضية الرسمية «تلفزيون فلسطين» على الصعيد المحلي، وما لبثت أن تطورت من حيث الإمكانيات المادية والفنية لتتمكن من اختراق وعي المشاهد العربي عبر بث القضية الفلسطينية في قوالب درامية تُعرف بالحياة وكينونة الأشخاص الذين يعيشون في وطن السلام بلا سلام.

«إضاءات» تعرض في سياق السطور التالية أبرز الأعمال الدرامية الفلسطينية منذ نشأة التلفزيون الرسمي عام 1994.


1. الأخوة الغرباء

أول عمل من إنتاج التلفزيون الفلسطيني عام 1998، جمع فنانين من فلسطين والأردن، كتب القصة والسيناريو والحوار الراحل بشير الهواري وأخرجه حسيب يوسف الذي لم يسعفه العمر لأن يرى ثمرة عمله إذ توفي بعد عشرين يومًا فقط من انتهاء العمل الدرامي.

تمتع المسلسل بنسب مشاهدة عالية نتيجة للطابع الاجتماعي الذي تميز به المسلسل، والذي كان يدور بين ثلاثة أخوة عادوا إلى أرض الوطن بعد اغتراب طويل وحاولوا التأقلم مع الوضع الجديد.


2. مطب

أنتجه المركز الفرنسي الألماني عام 2008 ليُعرض خلال شهر رمضان من ذات العام، ونجح المسلسل الذي كتب سيناريو وحوار حلقاته العشرة وأخرجها الفنان «جورج خليفة»، في أن يُصور تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة بطريقة كوميدية لا تخلو من قصص الحب.

جاءت الحلقات في تسلسل منفصل بشكل يومي، ففي كل حلقة يُعايش الجمهور مطبًا يواجهه الفلسطيني في الأراضي المحتلة سواء المشكلات الأسرية، أو مشكلات الاعتقال التي يتعرض لها المواطن بشكل عشوائي، ما جعله يُلاقي قبولًا جيدًا من الجمهور، رغم منافسة الأعمال الدرامية العربية التي كانت تُبث عبر تلفزيون فسطين وقتها.


3. وطن ع وتر

كان بمثابة نقطة تحول في الدراما الفلسطينية، وفي تلفزيون فلسطين الرسمي، تم إنتاجه عام 2009، وتميز العمل بالجرأة في انتقاد الواقع الفلسطيني على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.

حيث انتقد العديد من الظواهر السلبية في المجتمع الفلسطيني؛ منها الانقسام والانفلات الأمني وبعض العادات والتقاليد. حظي المسلسل بنجاح واسع ونسب متابعة كبيرة في صفوف المشاهدين الفلسطينيين، مما أدى فيما بعد إلى إنتاج أجزاء متتابعة من العمل لم تبتعد كثيرًا عن حالة النقد اللاذع لكل ما هو خاطئ على المستوى السياسي والاجتماعي تحديدًا.

الجزء الثاني من المسلسل لاقى انتقادات واسعة من الكُتاب والنُقاد وبعض المسئولين، كونه تعرض لشخصيات فلسطينية وازنة بطرق هزلية، وبالغ في طرح المواضيع الاجتماعية بطريقة دعت الكثيرين إلى المطالبة بوقف بثه خاصة في ظل تجرئه على الدين بطريقة غير أخلاقية، لكنه لم يتوقف واستمر لمواسم تالية بلغت حتى عام 2016 ثمانية، ولعل السبب في ذلك التركيبة الغريبة التي يحظى بها الواقع الفلسطيني بالإضافة إلى ظروف الاحتلال والانقسام الفلسطيني–الفلسطيني، إذ شكّل الواقع الفلسطيني المُعاش في الضفة الغربية وقطاع غزة مادة دسمة لفريق العمل بإنتاج مواضيعه المختلفة بقالب ساخر استطاع أن يوصل الفكرة والمضمون بطريقة بسيطة.


4. الروح

حاول القائمون على المسلسل الذي أُنتج وصُور في بيئة قطاع غزة عام 2014، إبراز الحالة الملحمية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة معًا، فقد أظهرت حلقاته حالة ارتباط وامتزاج روح المقاومة والثورة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما كشف عن حالة الألم والمصير المشترك الذي يُعانيه كل أبناء الوطن.

المتابع لمشاهد المسلسل الدرامي على مدار ثلاثين حلقة يجدها لا تخلو من نصوص التوعية الأمنية للمجتمع الفلسطيني، فقد ركز على العديد من القضايا؛ كقضية «عصافير السجون» التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيين داخل زنازين المحتل، كما عرض قضية العملاء ونبّه في ثنايا المسلسل إلى مصيرهم فهم يخسرون الوطن واحترام الذات، وألحقوا العار بأسرهم، وغالبًا ما تكون حياتهم مرهونة بمدى صدق المعلومات التي يوصلونها، وإلا فالموت هو المصير المنتظر.

كان العامل الأساسي في نجاح المسلسل، أن إنتاجه كان وطنيًا من الألف إلى الياء بعيدًا عن أي تدخلات، بالإضافة إلى كونه تناول قصصًا فلسطينية أظهرت المنعطفات التي مرت بها القضية والمقاومة معًا بدءًا من عام 2002 حتى عام 2010.

ومن خلال المسلسل استطاع الكاتب «سليمان أبو ستة» أن يطرق أبواب الحياة الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين ووضعها في سياقها الصحيح بعيدًا عن المغالاة أو التكلف.


5. الفدائي

عن الوطن والمواطن الفلسطيني تحدث مسلسل «الفدائي» بجزأيه الأول والثاني، وكان مبهرًا في إعطاء الصورة الحقيقية لواقع الحياة الإنسانية والمعاناة الأزلية التي يُقاسيها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.

الجزء الأول، كان مُلفتًا بالحديث عن حياة أهل الضفة الغربية ومعاناتهم من التهويد وسلخهم عن واقعهم الحضاري والتاريخي، لقد أفرد المسلسل في حلقاته الثلاثين التي بُثت على فضائية الأقصى عام 2015، مساحةً كبيرة لما يحدث في مدينة الخليل من عمليات تهويد وسرقة للأرض وتنكيل على الحواجز، أما الجزء الثاني، فجاء حاملًا لقضية الأسرى والأسيرات، فاستطاع أن يُعرف المشاهد العربي بأدق تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشونها في السجون، ويفضح ممارسات الاحتلال في تعذيب الأسرى وإذلالهم.

ولعّل الصورة الواقعية التي أبرزها المسلسل كانت عنوان نجاحه، خاصة في تصويره بمعدات تكاد تكون متهالكة، اُنتشلت من رماد القصف في عدوان 2014 الذي نال من مقر الفضائية بكل ما فيها من أجهزة ومعدات وطواقم بشرية، كما أن جودة المضمون وموافقته للواقع الإنساني للوطن والمواطن الفلسطيني دعت إحدى القنوات التركية إلى ترجمته بلغتها وعرضه لمشاهديها، الذين بدوا تواقين لمعرفة كل ما يجري في فلسطين، كما حظي المسلسل بانتشار واسع على المستوى العربي، وبُث على عدة قنوات الزيتونة التونسية واليرموك الأردنية.


6. باب العامود

حالة الحظر الإسرائيلي التي يُمني بها الفلسطينيون وتمنعهم من زيارة القدس العتيقة، دفعت التلفزيون الرسمي إلى محاولة الكشف عن جوهر الحياة الاجتماعية في المدينة المقدسة، وما يُعانيه أهلها من شظف العيش وتراكم الضرائب، إضافة إلى الكشف عن بعض الظواهر الاجتماعية بطريق فكاهية باللهجة المحكية في القدس، ليس ذلك فحسب وإنما أيضًا نقل المشاهد واقعية من أزقة البلدة القديمة وحواريها، التي يحكي كل حجر فيها حكاية صمود وتحدٍ.

المسلسل ينقل العلاقة الاجتماعية الحميمة لأهالي القدس مع بعضهم على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم، ويُعد أضخم أعمال التلفزيون الفلسطيني، حيث ناقش العصبيات العائلية والقبلية وبعض المشاكل الاجتماعية الأخرى كتعدد الزوجات وضريبة الأرنونا وغيرها بطريقة فكاهية تبرز رسالتها من خلال البناء الدرامي للحوار الذي أعده الفنان المسرحي إسماعيل الدباغ وساعده فيه الكاتب طارق السيد، والطاقة الهائلة لدى الممثلين وكذلك الجمال البصري الذي ينقل المشاهد إلى داخل البلدة، كما يطرح حوادث الاعتقال والهدم والتدمير في القدس على نحو صريح.


7. الأغراب

مسلسل درامي، عُرض في رمضان 2016 على فضائية اليرموك الأردنية وفضائية القدس، وكان له صدى كبير، حيث ارتقى القائمون عليه وهم مجموعة من الشبان في الضفة الغربية إلى مستوى الأعمال الدرامية الفلسطينية سواء على مستوى كتابة القصة أو الإخراج.

وتدور فكرة المسلسل حول الاحتلال الذي سرق الأرض، فكان اسمه «الأغراب» تعريفًا بالمحتلين الذين لا ينفكون عن النيل من المواطن الفلسطيني في حياته وأرضه وبيته، حيث يُجسد اعتداءات جنود الاحتلال خلال مصادرة الأراضي، وكذلك قضية العملاء وسماسرة الأراضي، ويُبرز الحالة التضامنية لأهالي القرى مع بعضهم في وجه سياسات الاحتلال، كما لم يغفل إبراز المقاومة الشعبية للمجتمع الفلسطيني والمقاومة المسلحة أيضًا، بالإضافة إلى قضايا الأسرى وتعامل المواطنين معها.


8. كفر اللوز

تنتمي فكرة المسلسل إلى الطابع الساخر بدءًا من اسمه، وانتهاءً بمضمونه الذي يُبرز حالة صراع بين الأجيال المتعاقبة لدى ثلاث عائلات فلسطينية وهمية هي «آل النسناس»، و«آل الدكر»، و«آل أبو فجلة» على رئاسة المجلس القروي، وكأنه يُصور الحال العربي والفلسطيني في الصراعات الأزلية على المصالح الشخصية بعيدًا عن مصلحة الوطن والقضية.

كاتب نص المسلسل المؤلف بشار النجار أكد على أهمية المسلسل ورسائله المختلفة في لفت أنظار العرب والفلسطينيين إلى تغليب المصلحة الوطنية والعامة، بأسلوب كوميدي اجتماعي يحتوي على كوميديا الموقف والحركة والألفاظ، كما حاول إبراز حالة الصراع الفلسطيني على السلطة والنفوذ وما ترتب عليها من نتائج مُهلكة.