بين اختبار كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية وإجراء التجارب النووية من جانب، وتهديدات الإدارة الأمريكية بالرد على هذه الخطوات الاستفزازية من جانب آخر، يترقب الجميع مآل الصراع في شبه الجزيرة الكورية الذي قد يتحول لحرب عالمية ثالثة أو على الأقل تندلع حرب كورية جديدة على غرار حرب الخمسينات والتي نتج عنها انقسام شبه الجزيرة الكورية ومقتل حوالي 5 ملايين فرد!

ومع التوتر والتصعيد المتبادل من قبل المنخرطين في الأزمة الكورية توجد عدة دلائل تؤكد صعوبة اندلاع حرب جديدة في هذه البقعة الساخنة من آسيا، وهي كما رصدناها.


1. الصين ترفض تحويل جوارها لساحة فوضى

عرض عسكري، كوريا الشمالية

تُعد الصين من أكبر المتضررين في حال اندلاع نزاع عسكري في الجزيرة الكورية، فهي لا تريد أن تحول الولايات المتحدة جوارها إلى ساحة من الفوضى والحروب ستجبرها على الدخول فيها واستنزافها في الوقت الذي تستعد فيه لقيادة العالم اقتصاديًا.

تخشى الصين من سيناريو حرب كورية جديدة كالتالي اندلعت عام 1950، بين الكوريتين وتدخلت فيها الولايات المتحدة لصالح نظام كوريا الجنوبية، واضطرت بكين إلى الدخول بجوار كوريا الشمالية، وأسفر ذلك عن خسار ة الصين حوالي 800 ألف فرد، بينما خسرت أمريكا حوالي 40 ألف جندي.

وإذا اندلعت الحرب في هذا التوقيت فمن المؤكد أن روسيا لن تقف بجوار كوريا الشمالية أو الصين، فالأوضاع حاليًا ليست كما كانت خلال الحرب الكورية من انقسام العالم لكتلتين شرقية (شيوعية) وغربية (رأسمالية)، كذلك موسكو منخرطة في صراعين متباعدين في أوكرانيا وسوريا ولم تحسمهما بعدُ لصالحها وهو ما يشتت جهودها ويستنزف اقتصادها المتعثر أصلًا.

اقرأ أيضًا:كوريا الشمالية: ورقة الصين الرابحة لعرقلة ترامب

ومع الأخذ في الاعتبار العلاقة القوية بين كوريا الشمالية والصين، تريد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من بكين الضغط عليها وإجبارها على وقف برنامجها النووي أو على الأقل عدم التصعيد بشكل متهور، واتضح ذلك في اللقاء الذي جمع ترامب بنظيره الصيني في واشنطن أبريل/نيسان الماضي.

وتحاول الصين استغلال هذه الورقة للضغط على ترامب لتحقيق مكاسب سياسية؛ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن بكين لا تملك الوسائل الكفيلة بتسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية نهائيًا، وأشار إلى أن بلاده طرحت مبادرة إقليمية تقتضي تجميد بيونغ يانغ برنامجها النووي مقابل وقف المناورات العسكرية المشتركة السنوية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وهو ما ترفضه الأخيرتان.


2. روسيا تتمنع

وإلى جانب الصين تتخوف روسيا من اندلاع حرب شرق آسيا بالقرب منها، ولهذا تنضم دائمًا إلى جانب الرافضين لأي ضربة عسكرية ضد كوريا الشمالية. وقد حذر وزير الخارجية الر وسي سيرجي لافروف في وقت سابق الولايات المتحدة من الإقدام على تنفيذ عمل عسكري ضد كوريا الشمالية، قائلًا إنه مسار في غاية الخطورة، وإن روسيا تأمل ألا ترى تحركًا أحاديًّا باستخدام القوة العسكرية أو إطلاق الصواريخ على بيونج يانج مثلما حدث في سوريا.

تتخوف موسكو من أن تشعل واشنطن جبهات حرب عدة على حدودها، كما في أوكرانيا ثم في شرق أوروبا عن طريق زيادة أنشطة حلف الناتو هناك، وأخيرًا تريد إشعال جبهتها الآسيوية، ومحاصرة نفوذها وإضعاف شركائها وخاصة الصين، مما يخل بتوازن القوى، ليس فقط في شرق آسيا وإنما في العالم أجمع.

وترفض روسيا صعود كوريا الشمالية كقوة نووية، لذا تتعاون مع واشنطن وبكين في هذا الملف، بتأييد العقوبات -فقط- التي يصدرها مجلس الأمن الدولي، لكنها ترفض الذهاب لحرب تخل بتوازن القوى في المنطقة وتوسيع مناطق الفوضى التي تضر بالمصالح الروسية.

ويتضح ذلك في تحذير بكين وموسكو من عواقب كارثية في حال وجهت ضربة عسكرية لكوريا الشمالية وذلك خلال اجتماع لمجلس الأمن يوم 28 أبريل/نيسان الماضي، مؤكدين على أن الحل التفاوض هو الخيار الوحيد والواقعي لهذه الأزمة.


3. حلفاء الأمريكان: كبش فداء

ترتبط اليابان وكوريا الجنوبية بعلاقة استراتيجية مع واشنطن والتي تحتفظ بقوات عسكرية في كلا البلدين، حيث يوجد في طوكيو حوالي 47 ألف جندي أميركي، وفي سيول حوالي 28 ألف جندي بخلاف القواعد العسكرية والسفن الحربية والمناورات السنوية المشتركة.

ومع الالتزام الأمريكي المعلن بحماية حلفائها الآسيويين إلا أنهم يتخوفون من عدم تقديم الدعم الكافي لهم في حال اندلاع الحرب مع كوريا الشمالية ومن ورائها الصين، فهناك تردد أمريكي حول الدخول في صراعات عسكرية بالخارج وقد برز ذلك خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، وقد يستمر ذلك مع ترامب، فهو توجه أمريكي عام ليس متعلقًا بالإدارات المتعاقبة.

وبافتراض دعم الإدارة الأمريكية لحلفائها في حال اندلاع حرب، فتكلفة الحرب المادية والبشرية ستكون مرتفعة وهو ما تخشاه هذه الدول التي تعاني من الكهولة كظاهرة أنثروبولوجية وقلة عدد السكان، لذا لن تقدر على تقديم خزان بشري في هذه الحرب، بالطبع لن تحل واشنطن محلها في هذا الدور.

كذلك تتخوف طوكيو وسيول من اندلاع حرب نووية سيكون مسرحها منطقتهم التي ذاقت هذا السلاح من قبل في هجوم هيروشيما ونجازاكي 1945 والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 ألف فرد إلى جانب الإصابات والخسائر المادية، وهناك يقين لدى هذه الدول أن كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية المتهور لن يتردد في استخدام هذا السلاح.


4. ترامب لن يدخل حربًا من أجل أحد

أدركت الولايات المتحدة أن استراتيجتها للتدخل العسكري المباشر غير مجدية، بعد تجربتيها في أفغانستان والعراق، لذا أحجمت عن أي تدخل واسع في أي منطقة واتضح ذلك في سوريا وأوكرانيا، وتفضل الآن التعامل من نمط «القيادة من الخلف» و«حرب الوكالة»، وقد أرست لهذا إدارة أوباما ومن المرجح ألا يختلف ترامب بشأن هذه المسألة.

وقد طالب ترامب مرارًا خلال حملته الانتخابية اليابان بتولي حماية نفسها ودفع تكاليف حمايتها لبلاده، بل وذهب لأبعد من ذلك بتأييده امتلاك طوكيو أسلحة نووية، وهو ما دفع طوكيو للتفكير في تغيير عقيدتها العسكرية والعمل عى تحديث قواتها تحسبًا لأي انسحاب أو تراجع في الحماية الأمريكية.

اقرأ أيضًا:استعدادًا للعهد الترامبي: اليابان تذخّر أسلحتها

فترامب لا يقبل بدفع تكاليف أي حرب، فما بالنا الدخول بقوات بشرية في هذه الحروب، قد أثير جدلٌ الشهر الماضي بمطالبته كوريا الجنوبية بدفع تكاليف نشر منظومة ثاد الصاروخية والتي تبلغ مليار دولار وهو ما رفضته سيول.


5. كيم جونغ أون ليس بشار الأسد

تمتلك كوريا الشمالية قدرات عسكرية متقدمة وخاصة في مجال الصواريخ الباليستية وسلاح البحرية، وهو ما يجعل أعداءها يترددون في الإقدام على توجيه أي ضربة عسكرية لها وإن كانت محدودة.

جاءت كوريا الشمالية في المرتبة الـ25 وفقًا لتصنيف موقع جلوبال فاير باور لأقوى جيوش العالم لعام 2016، ويبلغ عدد الجنود 1.379.000، وقوات الاحتياط 7.700.000، بينما يبلغ عدد سكانها 25.16 مليون نسمة.

وبالنسبة إلى المعدات والتسلح، تمتلك من الطائرات والمروحيات 1600، بينما يبلغ إجمالي القطع البحرية التي تملكها بيونغ يانغ حتى نهاية عام 2016، حوالي 967 قطعة عسكرية، بينها تمتلك 3 فرقاطات وسفينتين حربيتين و70 غواصة ومعدات أخرى، وبذلك تحتل المركز الثاني عالميًا في عدد الغواصات بعد واشنطن بعدد 75 غواصة.

ورغم ضعف سلاح الطيران لدى بيونغ يانغ فإن قدراتها النووية والصواريخ الباليستية تعوض ذلك، حيث يقدر مجموع المخزون النووي لديها بـ10 رءوس نووية، وهو ما يمنحها سلاح ردع في مواجهة خصومها، فهي قد تهزم وتتعرض لخسائر لكنها قادرة على إلحاق خسائر جسيمة بمهاجميها.


6. الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية يتفاهم مع ديكتاتور الشمال

كوريا الشمالية
كوريا الشمالية

فاز مون جاي، والذي ينتمي للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة بكوريا الجنوبية، الشهر الجاري، خلفًا لسابقته المحافظة بارك غوين، صاحبة الموقف المتشدد تجاه نظام بيونغ يانغ.

وعقب تولي جاي مهامه مباشرة أبدى استعداده لزيارة كوريا الشمالية والتفاوض مع الصين والولايات المتحدة بشأن منظومة الدفاع الصاروخي المنشورة في بلاده والتي تعارضها بكين، وكشفت وكالة أنباء شينخوا الصينية، أن جاي يريد الحوار مع جارته الشمالية وإنهاء التوتر بين البلدين.

وبالطبع لن يستطيع الرئيس الجديد اتباع أي سياسة تجاه بيونغ يانغ دون التنسيق مع واشنطن، ولهذا من المقرر أن يلتقي نظيره الأميركي أواخر الشهر المقبل، فكلا الرئيسين أصحاب رؤية مختلفة، وبالتالي من المرجح أن يتفقا على فرض المزيد من العقوبات والعزلة على كوريا الشمالية، فلن يستطيعا توفير دعم دولي لشن أي حرب ضد بيونج يانج.