يحتار الآباء أثناء اختيار حضانة مناسبة لأطفالهم. عادة ما ينظرون للمظهر الخارجي، وديكور الحضانة، وهيئة العاملين فيها متوقعين أنهم بذلك يحصلون على رؤية شاملة لمستوى الرعاية التي سيحصل عليها طفلهم. فهل رؤيتهم فعلا تُغطي جميع الجوانب؟ وهل هم على حق؟

سألنا هذا السؤال لبعض المُعلمات المسئولات عن بعض الحضانات: «ما هي المعايير التي ستحرصن عليها، وما الخبايا التي ستفتشن فيها لو أن لديكن طفلاً وتردن اختيار حضانة مناسبة له؟»، فماذا كانت إجابتهن؟


1. «بلييز مُوهــــــــــامِيد جِيف مِي اللّانش بوكس من على الترابيزة.. بليز لو سمحت»

فورًا اتجهي للخارج لو وجدتي إحدى المُعلمات تتحدث بهذه الطريقة للأطفال (خلط كلمة عربية ثم كلمة إنجليزية)، فليست بهذه الطريقة تُعلّم اللغات، سواء العربية كلغة أُمْ نطورها، ولا الإنجليزية كلغةٍ ثانية نحاول إكسابها للطفل.

قد نختلف حول السن المناسبة للبدء في تعلم اللغة الثانية -لأن الأبحاث بالفعل تختلف-، لكن لن نختلف حول تعليم الإنجليزية بهذه الطريقة المُشوهة. فاللغة عندما تُعلم للطفل؛ يجب على المتحدث عدم استخدام لغة أخرى مساعدة بهذا الأسلوب.

هذا يترك انطباعًا لدى الطفل أنه يمكنه (عندما يتعثر أو يجد صعوبة في إيجاد معنى إنجليزي) الاستعانة -مثلما تفعل المُعلمة- بلغةٍ أخرى لتكملة جملته. هذا يضرب طريقة التعلم تمامًا، بجانب أن النطق الصحيح للفظة «مُحمد» في اللغة الإنجليزية هي «مُحمد»، وليست (موهااامد) بالتأكيد!.

هذه مُعلمة مُصطنعة في حضانة سيئة. اهربي بطفلك فورًا.


2. لا تسألي ماذا ستفعلون لطفلي في أيام اللعب والمرح، بل اسألي السؤال الأهم أولا: «كيف تعاقبون الطفل لو ارتكب فعلا خاطئًا؟»

الإجابة الصحيحة هنا -والتي لن يعرفها كثير من العاملين في الحضانات- أنه ليس هناك شيء يسمى عقاب في عالم تربية الأطفال، بل تقويمٌ للسلوك.. الطفل يجب ألا يخشى العقاب، ويجب علينا كمربين ألا نسرق لحظات تفكير الطفل بعد ارتكاب الخطأ: (هل ما ارتكبتُ صوابا أم خطأ؟) ليفكر في (هؤلاء سيعاقبونني، كيف أهرب من هذا العقاب؟)، بما يفتح علينا أبوابًا من التحايل والكذب والدفاعات النفسية التي تشتت الطفل نهائيا عن أصل الفعل، لتفادي العقاب.

لذا التربية السليمة وتقويم الأفعال الخاطئة للطفل تكون بالارتكاز على الفعل المُرتكب، والتوجيه والنقاش، والوقوف على السبب وراء ما فعل، ونتيجة/عواقب ما فعل لإثناء الطفل عن الفعل غير المرحب به. فعندما نعامل الأطفال بآدمية؛ سيلتزمون هم بآدميتهم.هذه التي اتفقنا على احترامها سويًا، بينما السجن في مكانٍ ما، أو على مقعدٍ ما لن يُخلف أبناءً أسوياء، سيخلف من «إذا أمن العقاب؛ أساء الفعل».

لذا قولًا واحدًا، العقاب مرفوض مهما كان شكله، والحضانة التي تعتمد العقاب في منظومتها ستخلف شخصًا معتادًا على العقاب لبقية حياته. بل ستحتاجين لتصاعد وتيرة العقاب كل يوم وراء الآخر ليأتي بنتيجة، وهذا ما لا يريده أحد.

اخرجي بطفلك من هناك فورًا.


3. كم من التركيز يحتاج طفلك لإبقائه سالما دون أن يؤذي نفسه، أو يؤذي أحدًا، أو يؤذيه أحدٌ؟

إذن، كم من التركيز يحتاج عشرة أطفال معًا في غرفة واحدة، وأعمارهم متفاوتة كي لا يتسببوا في أذية بعضهم، أو أنفسهم؟ هل تتوفر نسبة التركيز تلك لمُعلمة أو مُربية تتحدث في (الموبايل) أثناء رعاية الأطفال؟!

في الحضانات الجيدة ينبهون على المُعلمات بشكلٍ قطعي بعدم استخدام الهاتف المحمول (الموبايل) أثناء رعاية الأطفال، لمنع تشتيت انتباه المسئول عنهم. لذلك لو وجدتِ المُعلمة تتحدث في الهاتف (الموبايل) أثناء أداء عملها مع الأطفال، فالمبدأ مسموح به في هذه الحضانة، وهذه المسئولة -عندما تبتعد عن العيون المُراقبة- ستقضي كثيرًا من الوقت يوميًا مع الهاتف لتمضية الوقت وتسلية وقتها؛ فالأطفال مُملون ومزعجون جدًا كما تعرفين!

ولا تنظري إليهم كيف يعاملون طفلك في وجودك، فسيعاملونه جيدًا أمام عينيك، مهما كانوا سيئين!.

انظري إلى المُعلمة كيف تُعامل زميلاتها في الحضانة والعاملات فيها. يمكن أن تُخفي طريقة تعاملها السيئة للأطفال، لكن لن تنتبه لإخفاء طريقة معاملتها السيئة لزميلاتها. فالحُب والتفاهم بين العاملين ينعكس تمامًا على الأطفال.

المسئولون الذين يتعاملون بحب فيما بينهم، سعداء في عملهم، وستنعكس هذه السعادة في معاملتهم مع طفلك. العاملون الذين يكرهون بعضهم بعضًا، يكرهون عملهم. بالتالي هو مهمة شاقة تصيبهم بالضيق يوميًا. وهذا سينعكس على الأطفال بكل تأكيد، لا يمكن لأحد في بيئة الأطفال النقيّة أن يُصاب ببكتيريا الحنق أو الضيق، أو الكُره، ولا تنتقل لهؤلاء الكائنات الشفافة البيضاء المُنفتحة لاستقبال كل المشاعر حولها.

لذا إن وجدتِ المسئولين يتعاملون بطريقة سيئة فيما بينهم؛ فهذه ليست بيئة مناسبة لتنشئة طفلك.


4. ما هي مواصفات الحضانة الجيدة؟ وكم يكون عدد الأطفال فيها؟

العدد الصحيح لأطفال حتى سن عامين هو خمسة أطفال كحد أقصى في الفصل الواحد. يهتم بأمرهم مسئولة ومُساعدة. الأطفال فوق سن عامين يمكن أن يصل عددهم لعشرة أو حتى 15 طفلًا في الفصل الواحد لكل (مسئولة) و(مُربية) تتواجدان معًا في نفس المكان كل الوقت. طبعًا الفصل بين الكبار والصغار أمرٌ مفروغ منه.

وأولى مواصفات الحضانة، النظافة

في اليوم الذي ستسمح لكِ إدارة الحضانة بالتجوال داخلها، ادخلي الحمامات أولًا، لأن الحضانات مهما كانت واسعة وتحتوي غرفًا وأماكنَ وتقسيمات كثيرة، فإنها (كأي شقة أو فيلا) تحمل عددًا قليلا من الحمامات، ربما اثنين أو ثلاثة.

وعلى هذا العدد المحدود أن يخدم كل هذا العدد الكبير من الأطفال باستخدامهم المتكرر، لذا عليكِ أولًا التأكد أن الحمام يُنظف لحظيًا بعد خروج كل طفل.

ثم ادخلي المطبخ بعد ذلك، هذا هو المكان الذي يُعد فيه الطعام لطفلك. وبعد التأكد من نظافته اسألي على الطعام الذي يقدمونه للأطفال لو كانوا يفعلون. بعض الحضانات تستسهل العملية وتأتي بطعام صناعي للأطفال، كالشيبسي والشوكولاتة والمعلبات. هذه أشياء مرفوضة وليست جيدة على صحة طفلك، الحضانات التي تقدم طعامًا مطبوخًا متنوعًا هو ما نسعى إليه.

بعد ذلك انظري لنظافة المكان، الأركان بوجه خاص، الأطفال يعبثون في كل شيء ويمدون أيديهم في كل ركن. اعلمي أن عددًا كبيرًا منهم يمرضون من الإهمال في الحضانات أكثر مما يمرضون بسبب المنزل، لذا يجب أن يكون المكان نظيفًا بشكلٍ كامل.

أيضا (فيش) الكهرباء والمشتركات الكهربائية، وهل هي في متناول أيادي الأطفال أم هناك أماكن مخصصة لمرور الأسلاك؟

هذه أشياء تعطيكِ صورة كاملة إن كان المكان مجهزًا بالفعل لإنشاء حضانة أم لا، ولا تنسي أن تكون في الحضانة مساحة مفتوحة يرون فيها السماء والشمس، هذا محوري جدًا لهم.


5. تحدثي مع مُديرة الحضانة حديثًا مُطوّلا

حاولي فتح موضوعات متعددة ووجهي لها كثيرًا من الأسئلة، ولا تقبلي بالأجوبة العامة على غرار: (كل حاجة هتبقى زي الفل إن شاء الله)، و(متخافيش على الولد)، يجب أن تتأكدي من مستواها الثقافي في التربية، وتطلعي على فلسفتها وآرائها.

اسأليها عن الأنشطة التي يقدمونها للأطفال وفائدتها لهم من منظورها، اسأليها عن المشاكل التي تطرأ وكيف يتعاملون معها؟ مثلًا ماذا يفعلون للطفل الذي يبكي لغياب أمه عنه؟ هل يستخدمون التلفاز كوسيلة لإلهائه فيضعونه أمام التلفاز ليكف عن البكاء مثلًا؟ اسأليها كيف ينظمون اليوم، ومتى يخرج الكبار والصغار للمساحة المفتوحة، وما هو الوقت المُخصص؟

الغرض ليس فقط الوقوف على الأجوبة، بل معرفة إن كانت مديرة الحضانة مُثقفة في التربية، ولديها من العلميّة ما يؤهلها للتصدي بصواب وحكمة لكل هذا الكم الهائل من المشاكل التي يدأب الأطفال دومًا على اختلاقها، أم لا.

وأهم وآخر الأشياء التي يجب عليك مراعاتها؛ ثقي في انطباعك وانطباع طفلك.

لربما كانت الحضانة جميلة وليس فيها ما يُعيب، لكنك لا تشعرين بالراحة النفسية فيها بلا سبب، أو ينقبض طفلك ويتمسك بكِ بقوة فور دخوله الحضانة ولم يفعل هذا في حضانات أخرى.

صدقي شعورك وصدقي شعور طفلك، وتذكري أن الحضانة يجب ألا تكون مكروهة من الطفل، فتصبح عقابًا له لا مكانًا لتكوين الصداقات والتعلُّم باللعب والمرح. يجب ألا تكون مكانًا يزيد من قلقك على أطفالك، بل تطمئنين فيه عليهم.

لذا اتبعي إحساسك وإحساس طفلك دائمًا.

هذه النقاط الخمسة كفيلة بتكوين صورة جيدة عن مستوى الرعاية التي ستقدم لطفلك في غيابك. فتأكدي منها جميعًا.

هكذا حكت لنا المُعلمات، وهكذا سيحرصن عند اختيار حضانة مناسبة لأطفالهن.