على الرغم من القدم النسبي لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، إلا أن تطورها خلال العقد الأخير جعلها أشبه بالتقنية المعجزة. فيمكننا الآن باستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد طباعة الكثير من الأدوات ذات الاستخدامات البسيطة والمعقدة أيضا، وحتى طباعة الأعضاء البشرية. والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي اخترعها «هيدو كوداما» في معهد ناجايو للأبحاث الصناعية باليابان عام 1981، لها الآن وبعد أكثر من 30 عاما الكثير من التطبيقات الغير محدودة في مختلف المجالات.


فما هي الطباعة ثلاثية الأبعاد؟

الطباعة ثلاثية الأبعاد هي عملية تصنيع بالإضافة «Additive manufacturing»، وذلك باستخدام المواد الخام لطباعة المجسم المصمم على الكمبيوتر في هيئة ثلاثية الأبعاد، عبر إضافة طبقات فوق طبقات من المادة الخام باستخدام طابعات مخصصة، ثم تعريضها لعوامل مختلفة لتزداد صلابة وتعطينا الشكل النهائي للمجسم. ومنذ اختراعها كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد تحتاج لأجهزة وأدوات معقدة، وكانت تستخدم على نطاق محدود في المصانع. حتى حدثت الطفرة الهائلة في بداية القرن الحادي والعشرين، وخصوصا في عام 2010. حيث أصبحت الطابعات ثلاثية الأبعاد أصغر حجما وأرخص وأسهل في الاستخدام، كما أمكنها استخدام مواد خام أكثر وطباعة مجسمات أكثر تعقيدا وتشابكا.

ويمكن للطابعات ثلاثية الأبعاد الآن استخدام خامات مختلفة كالسبائك المعدنية حتى التيتانيم والبلاستيك الحراري والورق والمطاط والطين الصلصال والسيليكون والسيراميك. وهناك طابعات مخصصة لأغراض معينة كطابعات الخلايا الحية وطابعات الطعام أيضا.

واقتحمت الطباعة ثلاثية الأبعاد أغلب المجالات الآن لما توفره من خيارات لانهائية للتصميم والتشكيل والخامات. وذلك على الرغم من بطئها النسبي، وأيضا عجزها عن الطباعة بأعداد كبيرة في وقت قصير. ولذلك فهي بشكلها الحالي صالحة بشكل فعال للاستخدام الشخصي أو التجاري المحدود، وليس للاستخدام على نطاق إنتاجي واسع. وإن كان التطور التقني لا يقف أمام تلك العوائق ويحاول التغلب عليها بالتطوير الدائم.


أهم الاستخدامات

عند بداية استخدامها في الثمانينات كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد تستخدم في تصنيع النماذج الأولية لبعض المنتجات، وللأغراض البحثية. وبعد ذلك تطور استخدامها لتستطيع الشركات تمكين المستهلك من تخصيص المنتج بإضافة تعديلات على تصميمه قبل طباعته بشكل فردي للمستهلك، وذلك في طابعات الشركات كبيرة الحجم أنذاك. قبل أن تحدث الطفرة الحالية.

في صناعة السيارات

تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكل محدود وتجريبي حتى الآن في صناعة السيارات، إلا أنها أثبتت نجاح باهر دفع بعض الشركات للاستمرار بهدف صنع سيارات كاملة مطبوعة. ففي 2014 أعلنت الشركة السويدية Koenigsegg المتخصصة في صناعة السيارات الفائقة السرعة عن سيارتها One:1، والتي تحتوى على أجزاء تم طبعها من المحرك وأنابيب العادم المصنعة من التيتانيوم وأيضا أنابيب الهواء والمرايا الجانبية.

كما قامت شركة Local Motors الأمريكية هذا العام بطباعة سيارتها الكهربائية Strati كاملة أمام الجماهير في معرض أمريكا الشمالية الدولي للسيارات. وبناء السيارة، التي صممتها الشركة بالتعاون مع مختبر ORNL التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، استغرق 44 ساعة وباستخدام طابعة بحجم غرفة صغيرة. وتطمح الشركة لبناء مصانع صغيرة لتصميم وبناء السيارات للمستهلكين بشكل مباشر.

في طباعة الأسلحة

في 2012 قامت مجموعة مؤمنة بحق التسلح للأفراد تسمى Defense Distributed بالعمل على تصاميم أسلحة يمكن طباعتها من البلاستيك باستخدام أي طابعة ثلاثية الأبعاد. وقامت بالفعل بطباعة مسدس قادر على الإطلاق، وأيضا أجزاء داخلية من السلاح الآلي AR-15. وقامت شركة أخرى بطباعة مسدس معدني من طراز M1911 pistol. وقامت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية بتجريم الأمر ومنع تداول تصميمات الأسلحة بشكل معلن، لكن في العالم الرقمي لا يمكن السيطرة على شيء كهذا. وفي بداية العام السابق قامت وزارة الدفاع البريطانية بطيران تجريبي ناجح لطائرة حربية بها أجزاء مطبوعة من المعدن، والهدف ذلك هو خفض تكلفة صيانة الطائرات الحربية على المدى الطويل، وقد حققوا في هذا نتائج مبشرة.

في البناء

بدأ تطوير الطابعات لاستخدام الأسمنت لبناء المنازل منذ 2004، وتطور الأمر من طباعة الغرف الصغيرة حتى طباعة المنازل كاملة. ومؤخرا قامت الشركة الصينية WinSun بإعادة تدوير مخلفات الهدم والأسمنت لاستخدامها في طابعة عملاقة الحجم لبناء منازل كاملة متعددة الطوابق في أقل من يوم واحد.

في الفضاء

وكالة الفضاء الأوروبية لها تطلعاتها الخاصة في هذا المجال، حيث تهدف لاستخدام الطباعة في بناء قواعد فضائية صالح للسكن على سطح القمر وذلك باستخدام تربة القمر كمواد خام، مما يقلل تكلفة السفر والبناء على القمر. وبدأت ناسا أيضا العمل على نفس المشروع بشكل مستقل. وسيقلل المشروع حال نجاحه كمية المواد الخام المطلوب نقلها للقمر لبناء قاعدة بنسبة 90%.

ليس هذا كل شيء، فشركة SpaceX قامت في 2014 بإرسال أول طابعة ثلاثية الأبعاد صنعتها شركة Made In Space ، معدلة للعمل بدون جاذبية لمحطة الفضاء الدولية، وقام رواد المحطة بطباعة أول آلة يدوية في الفضاء. وتهدف ناسا من وراء ذلك إلى توفير نفقات نقل الأدوات وقطع الغيار البسيطة من الأرض للفضاء وطباعتها بدلا عن ذلك.

كما قامت ناسا بتصميم نماذج مصغرة لأهم الكويكبات والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية، وذلك ليقوم محبي الفلك بطباعتها والاحتفاظ بها كتذكارات فلكية. وتقوم ناسا أيضا بتجارب لاختبار أجزاء مطبوعة من محركات الصواريخ وذلك لتسهيل الإنتاج وضغط النفقات.

في الطب

منذ بدايتها كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد محط أنظار الأطباء، لكن تطبيقاتها في ذلك الوقت كانت محدودة، كطباعة الأطراف المعدنية التعويضية، أو طباعة المفاصل، أو الأسنان، أو العظام المعدنية، لكن تطور الأمر مؤخرا بمعدل متسارع وبتطبيقات غير محدودة. ففي عام 2009 قامت شركة NovoGen ببناء أول طابعة ثلاثية الأبعاد يمكنها استخدام الخلايا الحية في طباعة الأنسجة والأعضاء البشرية. وتقنية ال bio-printing تم استخدامها بشكل تجريبي لطباعة مثانة بشرية، وكلية، وشرايين وأوردة، وعظام وغضاريف حقيقية. كما يقوم بعض الجراحون بطباعة نماذج يتدربون عليها قبل القيام بالعمليات المعقدة في المخ والقلب.

واستثمرت الصين في 2013 نصف مليار دولار في عشرة معاهد وطنية متخصصة في أبحاث ال bio-printing، وتمكن العلماء الصينييون من تحقيق طفرة في هذا المجال بالفعل. ويقول أحد علماء المشروع أن طباعة عضو بشري معقد كامل قادر على القيام بمهام العضو الأصلي سيكون ممكنا خلال العشرون سنة القادمة. والهدف من هذا الاستثمار هو حل مشاكل زراعة الأعضاء، مثل عدم توفرها وأيضا رفضها من الجسم بعد زراعتها، حيث أن طباعة العضو ستكون باستخدام خلايا من المريض، وبالتالي فلن يرفضها الجهاز المناعي للجسم.

كما يقود البروفيسور لي كورنين فريقا من 45 عالم بجامعة جلاسجو البريطانية لتطوير طابعة يمكنها طباعة الدواء باستخدام مواد كيميائية أولية، والتقنية التي ما زالت في مراحلها الأولية بالطبع تستخدم الجزيئات كمادة خام لطباعة المواد الكيميائية المعقدة.

وفي مؤتمر SXSW هذا العام، أعلنت شركة Exiii اليابانية عن Handiii، وهو ذراع تعويضي مطبوع بالكامل. ويتواصل الذراع بحساس EMG لقراءة نشاط الأعصاب وحركة العضلات، والتي يترجمها الهاتف لإشارة حركية يقوم الذراع بتنفيذها. ويأتي الذراع بسعر300 دولار وهو متاح للبيع الآن. ويمكن طباعته بأكثر من لون وأكثر من تصميم كما يمكن إصلاحه بسهولة بطباعة الجزء المعطوب.

كل ما سبق يعتبر الجانب العلمي والعملي الهام للطباعة ثلاثية الأبعاد. لكن تقنية كتلك لابد أن لها جانبا آخر ترفيهي ممتع ومسل على المستوى الفردي، كطباعة الطعام والملابس والآلات الموسيقية والأشكال الفنية المختلفة. والطباعة ثلاثية الأبعاد متقدمة جدا في هذه المجالات.

فطباعة الطعام ثلاثية الأبعاد أصبحت فن قائم بذاته. خصوصا في عالم الحلويات ومنتجات الشوكولاتة والكاكاو، وأيضا في البيتزا. ولها العديد من التطبيقات. ونذكر منها أن شركة Hershey الشهيرة بالتعاون مع شركة 3D Systems أنتجا طابعة لطباعة أشكال الشوكولاتة المختلفة. ويمكن للآلة طباعة الحلوى بأي تصميم ثلاثي الأبعاد، تخيل كم البهجة الذي تحملها طابعة كتلك لأطفالك.

كما يمكنك الآن طباعة البيتزا جاهزة التسوية للتقديم بشكل فوري. وتطور ناسا طابعة بيتزا لإرسالها للرحلات الفضائية الطويلة، فمن حق رواد الفضاء تناول البيتزا بالطبع.

ويمكن أيضا طباعة الملابس وخصوصا الأحذية والحلي. وأنتجت شركة Nike أحذية رياضية مطبوعة. كما يستخدم مصممو الأزياء الطباعة لعمل تصميمات مجنونة ومبتكرة.

ولأن للفنون جنون كما يقولون، فلم يسلم المجال الفني من الطباعة ثلاثية الأبعاد. حيث يقوم الفنانون بتصميم التماثيل على الحاسوب ثم طباعتها، وذلك بديلا عن النحت. وساعدهم في ذلك تنوع الخامات التي يمكن الطباعة بها، وعدم محدودية احتمالات التصميم على الحاسوب.

وفي متحف ألماني، قاموا بطباعة أذن «فان جوخ» من خلايا حية مأخوذة من نفس خطه الجيني والحفاظ عليها حية في محاليل مغذية ليستطيع رواد المتحف مشاهدتها والتحدث إليها أيضا، والأذن مرتبطة بتطبيق سيحول الحديث لصوت مسموع كما كان يسمعه فان جوخ بأذنه المصابة.

وأيضا قام بعض الموسيقييون بطباعة أدوات موسيقية وقاموا بالعزف عليها. كالساكسفون والناي.

وهناك أنواع كثيرة من الطابعة ثلاثية الأبعاد الشخصية، لكن أغلبها يعتمد على نموذجين أصليين وهما RepRap project و Fab@Home. والأولى هي نتيجة مبادرة بريطانية لبناء طابعة قادرة على مضاعفة نفسها ببناء أجزائها، وأيضا صيانة نفسها ببناء قطع غيارها. والثانية تعتبر أول طابعة ثلاثية الأبعاد توفرت للعامة يمكنها استخدام أكثر من خامة للطباعة في نفس الوقت.

ويوجد الآن الكثير من الطابعات بأسعار متفاوتة تبدأ من 200 دولار وحتى عشرات الآلاف. كالطابعة المنزلية الجديدة New Matter MOD-t 3D Printer.

والمحاولات مستمرة لزيادة سرعة وخفض الوقت اللازم لعملية الطباعة ثلاثية الأبعاد. فقد أعلنت الشركة الناشئة carbon3d منذ عدة أيام عن تقنية جديدة للطباعة ثلاثية الأبعاد تقلل من الوقت اللازم للطباعة وذلك باستخدام مواد خام سائلة تتصلب عن تعرضها لضوء ليزري وذلك بديلا عن طريقة الطباعة التقليدية.

كما أعلنت الشركة الأسترالية الناشئة Gizmo 3D عن طابعة جديدة تختصر وقت الطباعة لأقل من 6 دقائق عبر طباعة الجسم بالكامل داخل بركة من الراتنج السائل. وتشبه تلك التقنية أفلام الخيال العلمي، وتهدف التقنيات الجديدة أن يتاح استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في الإنتاج التجاري واسع النطاق وذلك بدلا من طرق التصنيع التقليدية.

تخيل أنك في المستقبل القريب لن تحتاج لشراء الألعاب لأطفالك، فقط ستقوم بتحميل التصميم من الإنترنت ثم طباعته. لن تحتاج لشراء الطعام والملابس والأثاث المنزلي، وربما الدواء أيضا. ستعتقد أن كل هذا حلم، لكنه أصبح الآن أقرب مما نتصور، مع كل هذه الاحتمالات الغير محدودة التي يفاجئنا بها العلم كل يوم.