أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي عصر اليوم الإثنين قرارًا بالعفو عن 203 مسجوناً محكوم عليهم قضائيًا في قضايا تجمهر وتظاهر، ويأتي ذلك القرار تنفيذًا لتوصيات المؤتمر الأول للشباب في أكتوبر الماضي بشرم الشيخ بتشكيل لجنة مختصة لنظر طلبات العفو. وكانت رئاسة الجمهورية قد أصدرت عفوًا آخر يضم 82 مسجونًا محكومًا عليهم بقضايا تظاهر وتجمهر في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بناءً على تقرير اللجنة المختصة بفحص طلبات العفو.

كانت قائمة العفو الأولى قد أثير حولها الكثير من الجدل حيث ضمت 82 مسجونًا فقط محكومًا عليهم في قضايا متعلقة بالتظاهر والتجمهر، حيث شملت القائمة أسماء 13 سجينًا كان من المفترض أن تنتهي مدة حبسهم خلال أيام قليلة وتحديدًا خلال شهر ديسمبر 2016.

فيما شملت القائمة 17 اسمًا ممن كان من المقرر إطلاق سراحهم خلال شهور يناير وفبراير ومارس 2017، وبذلك تكون القائمة الأولى قد شملت ثلاثين اسمًا كان حتمًا ولابد من خروجهم من السجن خلال أسابيع قليلة من تاريخ إصدار العفو؛ مما أثار عدة تساؤلات حول جدية رئاسة الجمهورية في طرح هذه المبادرة وجدية النظر في الطلبات المقدمة إلى لجنة العفو، وما هي الأسس التي يتم اختيار أسماء القائمة بناءً عليها.


قائمة تلو الأخرى

انتظر المسجونون وأهاليهم كثيرًا بعد هذه القائمة انتظارًا للقائمة الثانية التي أعلنت عنها مرارًا وتكرارًا اللجنة وفي آمال الجميع وضع اسم أبنائهم وذويهم في القائمة المرتقبة، لتصدر رئاسة الجمهورية اليوم القائمة الثانية والتي لم تختلف عن القائمة الأولى كثيرًا، حيث ضمت هذه القائمة 203 اسمًا فقط كما احتوت أيضًا بعض المفاجآت فيما يتعلق بتفاصيل قضايا المعفو عنهم.

كان من المتوقع والمرتقب بالنسبة للحقوقيين والمحامين أن تحتوي القائمة على عدد أكبر من المسجونين مقارنة بعدد المسجونين والمحكوم عليهم في قضايا متعلقة بالتظاهر والتجمهر، فبحسب تقرير موقع دفتر أحوال ففي خلال ثلاثة أعوام منذ تطبيق القانون رقم 107 لسنة 2013 المعروف بقانون التظاهر من الفترة بين 25 نوفمبر 2013 وحتى 24 سبتمبر 2016 تم تسجيل وأرشفة 37.059 (37 ألف تحرك أمني وقضائي ضد أشخاص بناء على مخالفتهم للقانون).

أحيل منهم 15.461 ألف للمحاكم، أدين منهم أمام المحاكم 6.382 ألف (أكثر من 6 آلاف) حكم عليهم بأحكام مختلفة بالسجن، كما كان مجموع الغرامات أكثر من 128 مليون جنيه مصري، ويوضح الحقوقيون أن هذا هو العدد التقريبي فقط أو ما أمكن رصده لمن تم احتجازه بناءً على أحكام هذا القانون فقط؛ مما يظهر أن عدد من صدرت أسماؤهم في القائمتين يعد ضئيلاً جدًا مقارنة بعدد المسجونين الفعلي.

أيضًا كان من المرتقب أن يكون على رأس القائمة الصحفيون الذين تم القبض عليهم على خلفية أدائهم لعملهم ومنهم الصحفي محمود أبو اليزيد شوكان المحبوس لأكثر من أربع سنوات.


1. قضية جميلة سري الدين

تزداد المفاجآت عند قراءة أسماء من شملتهم القائمة، فمن ضمن هذه الأسماء جميلة سري الدين؛ المعتقلة في قضية التظاهر وإحياء الذكرى الرابعة لأحداث محمد محمود رقم 12182 لسنة 2015 جنح عابدين، والمحكوم عليها بالسجن سنتين من محكمة عابدين في 13 ديسمبر/كانون الأول 2015.

وكانت قائمة العفو الأولى قد شملت 4 شباب متهمين مع جميلة في نفس القضية وكانت جميلة الوحيدة في القضية التي لم يشملها العفو، ولكن المفارقة هنا أن جميلة سوف تنتهي مدة سجنها أصلاً بعد 6 أيام فقط، كما صرح محاميها بأنها قد اطلعت منذ أيام على تذكرة خروجها من السجن ومعلن بها أن ميعاد خروجها من السجن يوم 19 مارس القادم.


2. اعتقال الأطفال في ظل سكوت رسمي

لم تنتهِ مفاجآت قائمة العفو عند هذا الحد، فبعد الإنكار الإعلامي المستمر لاعتقال الأطفال والسكوت الرسمي نجد أن من بين من شملتهم قائمة العفو محمود ممدوح أحمد محمد عثمان مواليد 1 يناير 2000 وذلك يعني أنه الآن يبلغ من العمر 17 عامًا.

وقد أثار هذا الأمر دهشة الكثيرين ممن تابعوا القائمة؛ مما يرجعنا إلى تقرير الفريق المعني بحالات الاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة والذي اعتبر أن اعتقال الأطفال في مصر (ممارسة نظامية منهجية واسعة الانتشار). وذكر التقرير أن عدد الأطفال المعتقلين أكثر من 3200 طفل كلهم تحت سن الثامنة عشر، جلّهم إن لم يكن كلهم، تعرضوا للمعاملة الوحشية وللتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز.


3. 5 متهمين بالانضمام إلى جماعة محظورة

قضية أخرى في قائمة العفو تثير الكثير من الأسئلة، وهي قضية كلية دراسات إسلامية جامعة الأزهر بدمنهور الحاملة لرقم 2244 لسنة 2013 جنايات كلي وسط دمنهور، وكانت الاتهامات في القضية الانضمام إلى جماعة محظورة أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون والترويج لأنشطتها والتظاهر بدون ترخيص. كان عدد المتهمين في القضية 5 متهمين منهم 3 حضوري تم الحكم عليهم بالسجن 7 سنوات بتاريخ 5 إبريل 2015 وهم: محمد أبو علو _ محامي، حسام هارون _ طبيب بشري، عبد الرحمن العزازي _ طالب بكلية التربية.

وكانت بالأمس قد قررت محكمة النقض بدائرة الأحد قبول النقض في الحكم شكلاً وموضوعًا وإعادة المحاكمة للمحكوم عليهم الثلاثة وذلك يعني أن المحكمة قد اعتبرتهم في مركز قانوني موحد، لتخرج المفاجأة اليوم بشمول قائمة العفو على اثنين منهم وهم: عبد الرحمن العزازي ومحمد أبو علو فقط دون زميلهم الثالث في القضية حسام هارون، بالرغم من قبول نقضهم الثلاثة بالأمس واعتبارهم في ذات المركز من قبل محكمة النقض.


متى يرفع الظلم عن الآلاف؟

صدرت القائمة الثانية للعفو والتي لو تفحصناها أكثر بتدقيق في كل القضايا والأسماء التي شملتها لوجدنا مفاجآت أكثر، ولكن هل سيتوقف الأمر عند ذلك الحد؟، هل ستكتفي لجنة العفو والرئاسة بخروج 285 شابًا فقط من بين أقل التقديرات لعدد المعتقلين وهو 40 ألف منهم أكثر من 10 آلاف على ذمة قضايا تظاهر فقط، أم سنرى جديدًا الأيام المقبلة؟.

من المفترض أن لجنة نظر طلبات العفو الرئاسي ما زالت تنظر بقية الطلبات المقدمة من ذوي المحكوم عليهم والمحبوسين على ذمة قضايا رأي أو سياسية كما اشتهر عنها، ولكن هل سنرى معيارية في عمل اللجنة لتسبب قراراتها بالعفو عن شخص دون الآخر برغم تساوي مراكزهم القانونية بحكم المحكمة؟، وهل ستخبرنا اللجنة عن كيفية عملها في حين أن بعض أعضائها يتخذ موقفًا معاديًا لبعض المسجونين؟.

هذا بالإضافة إلى أهمية النظر الجدي في ملفات الشباب المحكوم عليهم والذين يتعرضون لإهمال طبي وصل لحد الإصابة بأمراض خطيرة، إلى جانب ملف الصحفي محمود أبو اليزيد شوكان المحبوس احتياطيًا لأكثر من ثلاث سنوات والذي أصيب بفيروس سي داخل السجن، وطالب جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أحمد الخطيب والمصاب بمرض اللوكيميا (سرطان الدم). كما تعنت النظام تجاه ملف الأطفال المحبوسين بين أربعة جدران دون النظر إلى مستقبلهم الضائع.

آلاف من الطلبات المقدمة للجنة الآن، خلفها الآلاف من الطموحات والأحلام المسجونة خلف القضبان، وآلاف من الأبناء والأهل والأصدقاء ينتظرون مجرد جرة قلم تنجيهم من العذاب المتواصل الذي لا ينتهي، ينتظرون فقط رفع الظلم الذي لا يمكن أن نسميه عدلاً.