بدلًا من ذلك، قصفت الطائرات الحربية التركية الميليشيات الكردية، في العراق، التي قاتلت أنقرة لسنوات في محاولة لانتزاع الحكم الذاتي.

كما قصفت تركيا أيضًا مسلحي الدولة الإسلامية، في سوريا، الأسبوع الماضي. وأكدت الضربات ضد عصابات حزب العمال الكردستاني، في جبال قنديل، في العراق، معضلة واشنطن في سعيها لجعل تركيا تقاتل ضد الدولة الإسلامية، بصرف النظر عن صراع أنقرة، منذ فترة طويلة، مع الإنفصاليين الأكراد.

كانت الولايات المتحدة تدفع تركيا لمدة عام تقريبًا لتدخل بثقلها في الحرب ضد الدولة الإسلامية، ولعدة أشهر، رفضت تركيا الإذن بتنظيم ضربات جوية من قاعدة إنجرليك الجوية، بالقرب من الحدود مع سوريا. ولكن الآن، ونتيجة للفوز بإذن تركيا لاستخدام القاعدة لشن غارات جوية، قد تسمح واشنطن لأنقرة بضرب القوات الوحيدة على الأرض التي أثبتت فعاليتها ضد الدولة الإسلامية.

في حين ترى واشنطن الدولة الإسلامية باعتباره تهديدًا خطيرًا، فإنه من الواضح أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يركز على ملاحقة حزب العمال الكردستاني، الذي أعلن مسئوليته عن مقتل اثنين من ضباط الشرطة التركية، في 22 يوليو. وقد دفع الهجوم السلطة التركية لشن غارات جوية ضد الجماعة، في شمال العراق، وهو ما يشير إلى أن عملية وقف إطلاق النار الهشة، التي تبلغ من العمر عامين، تتلاشى.

غالبًا ما يتحدث القادة الأتراك عن الدولة الإسلامية، وحزب العمال الكردستاني، بمصطلحات متكافئة، كما ينظرون إلى المكاسب الحربية التي يجنيها الأكراد السوريين، والعراقيين، باعتبارها الخطر المحتمل الذي يمكن أن يشعل المشاعر الانفصالية بين الأقلية الكردية المضطربة الخاصة بهم. يشن حزب العمال الكردستاني تمردًا، منذ ثلاثين عامًا، ضد تركيا، وهو الصراع الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى، وقد وصفته الولايات المتحدة بالمنظمة الإرهابية.

انكشفت الفجوة بين تركيا والولايات المتحدة، في الأيام الاخيرة، حيث استخدم المسئولون لغة مختلفة لوصف الاتفاق الجديد. وقال القادة الأتراك: يخطط البلدان لتشكيل “منطقة آمنة”، على طول الشريط الأرضي، في شمال سوريا، على الحدود مع تركيا.

اقترح المسئولون أن المنطقة قد تشبه منطقة حظر للطيران. وعلى الرغم من أنه ليس لدى الدولة الإسلامية سلاح جو، إلا أن النظام السوري لبشار الأسد يمتلك الدفاعات الجوية، والطائرات الحربية، التي يمكن أن تهدد أي منطقة آمنة. تقاعس المسئولون الأمريكيون، في السابق، عن فكرة فرض منطقة حظر جوي، لأن ذلك يعني التزامًا عسكريًا أمريكيًا على نطاق أوسع، وربما يتطلب فتح جبهة ثانية ضد نظام الأسد، حتى مع استمرار المعركة ضد الدولة الإسلامية.

كان مسئولون أمريكيون قد حذروا بشكل أكبر من المنطقة الآمنة المقترحة، التي ستمتد على 68 ميلًا، قائلين إنه ما تزال تتناقش الحكومتان بالضبط حول كيف يمكن لـ “المنطقة الحرة” للدولة الإسلامية، في شمال سوريا، أن تعمل، وكيف سيتم تأمينها.

واعترف مسئولون أمريكيون أن الترتيب المبدئي مع تركيا كان حساسًا ومعقدًا، وقالوا إنهم يحثون أنقرة على العمل بضبط النفس ومعايير النسبة والتناسب في متابعة حزب العمال الكردستاني لتجنب تقويض الهدف الأوسع المتمثل في هزيمة الدولة الإسلامية.

وقال مسئولون إن إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، تدرك قيمة الميليشيات الكردية، في سوريا، والعراق، وتعهدت بعدم التخلي عنها.

الأكراد السوريون شريك مهم، وقد “حققوا نجاحًا كبيرًا”، هكذا قال مسئول في الإدارة الأمريكية يوم الثلاثاء.

وأضاف المسئول لفورين بوليسي، “لا نريد أن يتعقد ذلك بأي شكل من الأشكال”، و”نحن لن نتركهم”.

تلقت تركيا عبارات التأييد السياسي من حلفاء الناتو، في اجتماع استثنائي عقد يوم الثلاثاء، مع ترحيب من قِبل الدول الأعضاء بقرار البلاد بالتحرك بقوة أكبر ضد الدولة الإسلامية. لكن المسئولين الأوروبيين قلقون أيضًا من أن أنقرة قد تقوض من القوات الكردية، في العراق، وسوريا، إذا أطلقت العنان لحملة واسعة النطاق ضد حزب العمال الكردستاني.

وقد سعى نائب مبعوث أوباما للتحالف الدولي الذي يقاتل الدولة الإسلامية، بريت مغورك، إلى التهوين من الضربات الجوية التركية ضد حزب العمال الكردستاني.

“نتطلع إلى تكثيف التعاون، مع تركيا، وجميع شركائنا، في الكفاح العالمي ضد داعش”، هذا ما كتبه مغورك في تغريدة له يوم السبت.

“لا يوجد أي اتصال بين هذه الضربات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني، والتفاهمات الأخيرة على تكثيف التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا ضد داعش”، كما جاء في تغريدة أخرى.

أيد السناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، وهو من أشد منتقدي الاستراتيجية الحربية لأوباما، المنطقة الآمنة المقترحة، ولكنه أعرب عن قلقه إزاء التقارير التي زعمت أن القوات التركية قد هاجمت أكراد سوريين.

“أحد أكبر مخاوفي أن سوء إدارة الرئيس في الشأن سوري قد يشعل التوترات الإقليمية ويوسع الصراع”، هكذا قال غراهام في تصريح له. “يفيد الصراع بين تركيا والأكراد فقط داعش والأسد، وزيادته تغرق المنطقة في حالة من الفوضى. وهذا الأمر يضعف في النهاية أمننا القومي”.

يستشهد ضباط في الجيش الأمريكي، في كثير من الأحيان، بالقوات الكردية كنموذج ناجح في الحملة ضد الدولة الإسلامية.

فقد الجيش العراقي الأرض في الغرب، ويصارع من أجل إبعاد الدولة الإسلامية عن مصفاة نفط بيجي، شمال غربي بغداد. لكن قوات البشمركة الكردية، في شمال العراق، والميليشيات الكردية، في سوريا، تتقدم باطراد، وهي قادرة على الاستفادة من القوة الجوية بقيادة الولايات المتحدة للمناورة والاستيلاء على الأراض.

قال وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، في 24 مايو، إن قوات الجيش العراقي التي تراجعت من مدينة الرمادي الغربية، في وقت سابق من هذا العام، تفتقر إلى “إرادة القتال“. وبعد الانتصارات الأخيرة التي شنتها القوات الكردية في شمال شرق سوريا، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع، الكولونيل ستيف وارن، في يونيو، إن النتيجة قد أظهرت ما يمكن تحقيقه عن طريق القوة الجوية لقوات التحالف إلى جانب “القوات البرية القادرة والراغبة في ذلك”.

ويأمل المسئولون الأمريكيون أن المنطقة العازلة المقترحة، على طول الحدود الشمالية لسوريا، قد تخنق الخطوط المتبقية لإمداد الدولة الإسلامية، التي تعمل من خلال المدن السورية، في دابق، وجرابلس.

“لقد ناقشنا أيضًا مع تركيا إمكانية العمل معهم بطريقة منسَّقة، ومع جماعات المعارضة المعتدلة للبدء في مسح… المرحلة الأخيرة من الحدود الدولية مع تركيا التي تسيطر عليها داعش”، هكذا قال مسئول كبير بالإدارة الأمريكية للصحفيين، يوم الثلاثاء.

“وسيتم ذلك بحيث يكون الهدف هو إخراج داعش من هذه المنطقة والسماح للحياة بأن تعود”، وقال إن المنطقة لا تتطلب فرض حظر جوي، ولكن مثل هذا المشروع المسئول.

وقال مسئولون إن تمكين الطائرات الأمريكية بدون طيار، والطائرات المأهولة، بالقيام بمهامم من قاعدة إنجرليك، بدلًا من تلك القواعد البعيدة في الخليج الفارسي، يدعم الحرب الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد المتشددين، كما أنه يجعل الطائرات الحربية أقرب إلى الأهداف المحتملة، ويسمح بالعمل لفترة أطول فوق الهدف.

بيد أن وزارة الدفاع قد قالت إن الأمر سيستغرق “أسابيع” قبل أن يتم إطلاق الضربات الجوية الأمريكية من الأراضي التركية، ويعمل المسؤولون إلى الآن في الاتفاق على الترتيبات النهائية. وقال المتحدث باسم البنتاغون، الكابتن البحري جيف ديفيس، للصحفيين، يوم الأثنين، يجري دراسة عدد من القواعد لإيواء الطائرات الأمريكية التي ستقوم بمهمات ضد الدولة الإسلامية.

وقال ديفيس إن الولايات المتحدة لم تقدم بأي دعم لوجستي، أو استخباراتي، للضربات التركية الموجهة ضد حزب العمال الكردستاني، وأنه تم تبادل المعلومات فقط لضمان تنسيق رحلات طيران التحالف على المجال الجوي السوري والعراقي.

وقال خبراء إنه على الرغم من أن التهديد المتزايد من الدولة الإسلامية قد أثار القلق في أنقرة، إلا أن السياسة الداخلية التركية لعبت كعامل رئيس في التحول الذي قامت به الحكومة، كما أن أردوغان يفضل تقديم نفسه كرجل يمتلك دعمًا سياسيًا.

وقال سوات كينكليوغلو، النائب التركي السابق عن حزب العدالة والتنمية، إنه وسط المخاوف التركية بشأن احتمالية ظهور دولة كردية مستقلة على الحدود، سينظر الأتراك إلى المنطقة العازلة المخطط لها بوصفها إجراء وقائيًا لحماية البلاد.

“إن الرأي العام التركي حساس بخصوص وضع كيان كردي في قيادة الحدود الجنوبية لتركيا. والمنطقة الآمنة – إذا تم العمل عليها – ستؤدي بحكم الأمر الواقع إلى كسر استمرارية الكيان الكردي في المستقبل”، قال كينكليوغلو، المدير التنفيذي لمركز الاتصالات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقرّه أنقرة.

قال مسئول سابق في إدارة أوباما إن المناقشات حول استخدام قاعدة إنجرليك كانت جارية منذ عام 2014. وفي مقابل السماح للغارات الجوية الامريكية بالقيام من القاعدة، طالبت تركيا بإنشاء منطقة آمنة، في شمال سوريا.

وأضاف المسئول السابق إن المناقشات كانت تدور حول القانون الدولي، ودور تركيا في المنطقة الآمنة، وكيف سيتم المحافظة على المنطقة أو ما يسميه المخططون العسكريون بـ “الاستدامة”.

وقال “أحد أكبر القضايا هي الاستدامة – لأنه بمجرد بدء العمل في الأمر، لا يمكن لك أن توقيفه”.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب