وكانت القوات الجوية التركية أيضًا قد بدأت في مهاجمة أهداف تابعة لداعش، فشنَّت هجومًا، يوم الجمعة، ضرب ثلاثة مرتكزات للتنظيم داخل سوريا. تهدف كل من واشنطن وأنقرة إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الشريط المقدر بستين ميل، الذي يحتله على طول الحدود مع تركيا، وقال مسئولون أتراك لنيويورك تاميز إنهم يتصورون “منطقة آمنة” للنازحين السوريين في ذلك الإقليم.

ويمثِّل هذا انقلابًا صارخًا لأنقرة، التي طالما كانت شريكًا مترددًا جدًا، إن لم تكن معاديًا على نحو علني لسياسات إدارة أوباما، في سوريا. لقد اختلف الأتراك والأمريكيون بشدة على ماهية التهديد الرئيس: بالنسبة إلى واشنطن، إنَّه الدولة الإسلامية، في حين أنَّه بالنسبة إلى أنقرة نظام الرئيس بشار الأسد، في دمشق.

على الرغم من أن الهجوم الانتحاري المدمر، في 20 يوليو، في البلدة الجنوبية سروج، الذي أسفر عن مقتل 32 شخصًا على الأقل، معظمهم من الشباب الناشطين، يبدو باعتباره الدافع نحو التغيير، إلا أنَّ حقيقة الأمر هي أنَّه يبدو أن السلطات التركية قد وصلت على مضض إلى استنتاج بأنَّه لا تمتلك خيارًا سوى الانضمام إلى التحالف، حتى قبل التفجير.

لقد شنَّت السلطات التركية غارات منسَّقة لاعتقال متطرفين إسلاميين، وأغلقت بعض مواقعهم وسائل الإعلام الاجتماعي، في أوائل شهر يوليو، وذلك قبل القصف. ربما كان وضع الصيغة النهائية لقرار الموافقة رسميًا على الانضمام إلى التحالف قد تم خلال زيارة لأنقرة قامت بها وكيلة وزارة الدفاع، كريستين ورمث، والمبعوث الأمريكي الخاص لتحالف مكافحة داعش، الجنرال المتقاعد جون ألين، في أوائل يوليو.

هناك ثلاثة أسباب واضحة للتغيير الجوهري الذي قامت به.أولًا، تدهور علاقات تركيا مع الولايات المتحدة. ثانيًا، قلق أنقرة نتيجة زيادة تعاون الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين، والذي كان ينمو بشكل أعمق مع كل يوم ترفض فيه تركيا التعاون مع واشنطن. وأخيرًا، أدرك الأتراك أن داعش قد يصبح كيانًا قويًا من الممكن أن يمثِّل تهديدًا لهم كذلك.

قبل هذا القرار، كانت العلاقات الأمريكية التركية قد وصلت إلى انخفاض نادر. شكا الرئيس باراك أوباما، من بين غيره من المسئولين في واشنطن،علنًا من نقص عزم تركيا في مكافحة داعش، ووجه انتقادات بشكل خاص إلى سياسة الباب المفتوح التركية، التي سمحت للجهاديين، من جميع أنحاء العالم، بعبور تركيا بكل سهولة، في طريقهم إلى سوريا. ونتيجة رفض وصول التحالف المكافح لداعش إلى قاعدة إنجرليك الجوية العملاقة، في جنوب تركيا، والتي تقع على بعد حوالي 60 ميلًا فقط من الحدود السورية، كان على سلاح الجو الأمريكي أن يطير من قواعده في الخليج العربي، أو من ناقلات في البحر الأبيض المتوسط، مما يجعل من الصعب الرد بسرعة على عدو ذكي وغير تقليدي.

صب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وعناصر مقرَّبة منه في الصحافة التركية، في الوقت نفسه، ولفترة طويلة، جام غضبهم على سياسات أوباما، في سوريا. عندما قررت الولايات المتحدة، في أكتوبر 2014، أن تأتي لمساعدة الأكراد السوريين المحاصرين من قِبل داعش في بلدة كوباني،رعد إردوغان “ما الذي في كوباني، النفط؟ الذهب؟ الماس؟” – كما لو كان الربح هو الدافع الوحيد للسياسة الخارجية الأمريكية.

في الواقع، قرار الولايات المتحدة بدعم الأكراد السوريين – وأن تصبح بعد ذلك شريكًا علنيًا لهم في المعركة ضد داعش – هو ما تسبب حقًا في قيام الأتراك بإعادة النظر في سياستهم المتمثِّلة في عدم التعاون مع الولايات المتحدة. وفي الواقع، كان الأكراد السوريون القوة العسكرية الوحيدة التي، مع دعم جوي أمريكي كبير، يمكن أن تسدد ضربات خطيرة ضد داعش. لكن رأى الأتراك هذه الشراكة المتنامية من خلال منظور نضالهم لثلاثة عقود طويلة ضد المتمردين الأكراد.

يقود حزب الاتحاد الديمقراطي الأكراد السوريين، الذين يمثِّلون نحو 10 إلى 12 في المئة من السكان، ويمكثون بالقرب من الحدود التركية حيث أراضي أجدادهم. حزب الاتحاد الديمقراطي هو فرع من التنظيم التركي الكردي المتمرد، حزب العمال الكردستاني. ويعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية من قِبل كل من أنقرة وواشنطن، وتقاتله الدولة التركية منذ عام 1984. على النقيض من ذلك، تعتبر تركيا فقط حزب الاتحاد الديمقراطي جماعة إرهابية – وبينما تتعاون واشنطن علنًا معه، فقد ورد أن أنقرة قد قصفت قرية شمال سوريا تدار من قِبل المجموعة.

ومن المفارقات أن هذه الحكومة التركية قد ذهبت خطوات أبعد في التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية، في الوطن.

لكن بالجمع بين التطورات، في سوريا، ورفض تركيا الأوليّ لمساعدة الأكراد السوريين، في كوباني، والحملة الانتخابية المريرة، في يونيو الماضي، تم تقويض محادثات السلام. وقد جعل حزب العمال الكردستاني الأمور أسوأ من ذلك بكثير، من خلال قتل اثنين من ضباط الشرطة في هجوم، انتقامًا لتفجير سورج، الذي تم إلقاء اللوم بشأنه على حكومة أردوغان. وقد سمح التصعيد الناتج للحكومة بإطلاق حملة اعتقال طالت مئات من الناشطين الأكراد، في جميع أنحاء البلاد. وقد بلغ الصراع ذروته، في 28 يوليو، عندما ألغى إردوغان بشكل أساسي “عملية السلام” مع حزب العمال الكردستاني، قائلًا إنها “من المستحيل” أن تستمر في ظل الاعتداءات المستمرة.

إن الأتراك قلقون للغاية، أكثر وقت مضى، حول مشكلتهم الداخلية مع الأقلية الكردية، ويشعرون بالتهديد نتيجة مكاسب حزب الاتحد الديمقراطي، في شمال سوريا، وهدفه المتمثل في إنشاء منطقة حكم ذاتي على الحدود مع الأراضي التركية. وبالنسبة إليهم، إنها علامة واضحة على أن المارد الكردي قد خرج من القمقم.

لقد ذهب تعاون الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين إلى ما هو أبعد بكثير مما كانت تتصوره تركيا، في أي وقت مضى. ليس فقط لأن الولايات المتحدة قد صارت بمثابة سلاح الجو لحزب الاتحاد الديمقراطي، لكن قام الجيش الأمريكي أيضًا بدمج مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي كمراقبين للحملة الجوية ضد داعش، حتى أنه قد دعا مسئولًا عن الحزب للجلوس في غرفة العمليات، في مدينة أربيل، في شمال العراق. ولم تتمتع أي مجموعة أخرى من المسلحين السوريين بهذه الامتيازات. وأصبحت تركيا، بعبارة أخرى، مراقبًا في استراتيجية أهم حليف لها في سوريا.

أخيرًا، تعني اليد الطولى التي تمتع بها داعش، والجماعات الجهادية السورية الأخرى، على مر السنين، أن التنظيم الجهادي قد وضع الآن بنية تحتية عميقة، في تركيا. يأمل الأجانب الذين يصلون إلى إسطنبول في الانضمام إلى الجهاد السوري، والوصول إلى الحدود من خلال شبكة آمنة من البيوت، في الوقت الذي يتجمع فيه المتعاطفين مع داعش بلا عقاب في الأماكن العامة – وهم لا يخفون أهدافهم وطموحاتهم. وقد انضم أتراك أيضًا إلى صفوف داعش، وعادوا عبر الحدود لتفجير أنفسهم، مع عواقب وخيمة. ومن ثمَّ جعلت هذه التطورات من داعش تهديدًا جديدًا وخطيرًا لتركيا.

بيد أن التغيير في السياسة التركية هو أولًا، وقبل كل شيء، هدف بالنسبة إلى واشنطن. وهي مصممة لوقف النزيف في العلاقات الأميركية-التركية، ومنع أي زيادة في تعميق التعاون بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي. وبعودتها إلى الحظيرة، تعوِّل تركيا بأن تدرك واشنطن أن أنقرة أكثر أهمية بكثير من الأكراد السوريين.

تثير كل من سوريا والقضية الكردية قدرًا كبيرًا من المعارضة، في تركيا. وتواجه البلاد الآن خطر الهجمات التي تشنها الدولة الإسلامية، والتي قد ترد على أحدث هجوم للحكومة، وكذلك اضطرابات بين الأكراد الأتراك. واستراتيجية أردوغان المعقدة بالتعاون مع الولايات المتحدة، وتقوض الأكراد في سوريا وفي الوطن أيضًا، من المؤكد أنه سيتم اختبارها، وربما بعنف، في الأيام المقبلة.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب