محتوى مترجم
المصدر
Carnegie Middle East Center
التاريخ
2015/03/13
الكاتب
Aron Lund

انظر لخريطة سوريا والعراق لترى بوضوح أن تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم «داعش»، يخسر هذه الحرب حيث يتحدى عددا من الأعداء أكثر من قدرته على التعامل، بعد تهديده بمحو دولة العراق، معلنًا الحرب على العالم الإسلامي، ومنصبا نفسه خلافة.

واستفز ذلك حشداً مضادًا من مسلحي الشيعة الطائفيين، وائتلافا دوليا بقيادة أمريكية يضم أكثر من 60 دولة لمحاربة التنظيم الذي يرتكب شتى أنواع الفظائع.

ويخسر داعش الآن، على مستوى الأرض والرجال على نحو لا يقوى التنظيم على تحمله. ومنذ بلوغه أوج هيمنته في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، يواجه التنظيم السني المتطرف هزيمة تلو الأخرى.

اندفاع داعش داخل العراق وكردستان في أغسطس 2014، والذي أثار تدخلا أمريكيا أوليا فقد قوته الدافعة تقريبا في الحال.

يواصل تنظيم الدولة الانهزام أمام القوات الكردية المدعومة من الوﻻيات المتحدة في عدة مناطق منها كوباني، والقامشلي، وجبل سنجار بالعراق

كما خسر رهانه بشأن الانتصار على القوات الكردية المدعمة من الولايات المتحدة في كوباني بشمال سوريا، واضطر التنظيم إلى التقهقر شرقا أيضا جراء مطاردته من مجموعات كردية، بما في ذلك مدينة القامشلي جنوب سوريا، على الحدود السورية العراقية، وداخل العراق في جبل سنجار.

الهجمات الجهادية المتكررة ضد مقاطعة دير الزور الحكومية باءت بالفشل، فيما لا زال القتال مستمرا حول حقل الشاعر للغاز شرق حمص.

وحتى التقدم الذي حققه داعش داخل المناطق النائية بشمال حلب معقل الثوار يمر بمرحلة عطب أيضا، بالرغم من أن مستقبل تلك المنطقة يتعلق بمردود معركة موازية بين الثوار السنة المحليين، وقوات الحكومة السورية.

في شمال بغداد، أجهضت قوات «البشمركة» محاولات داعش إشعال برميل بارود الصراع الطائفي في «كركوك»، بينما يطهر المسلحون الأكراد والشيعة المدعمون من إيران الريف العراقي ناحية الجنوب على الحدود الإيرانية العراقية.

وتمكنت الميليشيا الشيعية تقريبًا من اقتلاع داعش من محافظة ديالي، ومحافظتي تميم وصلاح الدين في المناطق الشرقية، كما تنفذ هجمات في معقل السنة بتكريت.

وبحلول مارس 2015، تبدو القوى الجهادية في تكريت في وضع دقيق، بما يضع تنظيم الدولة الإسلامية في خطر تعرضه لأكثر الهزائم فداحة.


خسائر هيكلية فادحة

وبخلاف الخسائر على الأرض، فإن هجمات أمريكا وحلفائها تمكنت من دحر داعش في مناح أخرى، كما ساهمت في ذلك االأيديولوجية الذاتية المتطرفة والطبيعة العشوائية للتوسع الذي حققه التنظيم منتصف 2014 .

تعرضت الأصول المالية التي تعتمد عليها داعش لانكماش واضح وخاصة في الموصل وغيرها من المناطق التي تمثل المصدر الأكبر لدخل التنظيم

الأكثر أهمية هو أن هزائم «الدولة الإسلامية» في كوباني وسنجار وديالي وغيرها من المناطق تكذب الهالة التي رسمها داعش حوله والتي تدعي أنه لا يمكن قهره، والتي تفشت في صيف 2014، والتي ساعدت، وفقا لتقديرات “سي آي إيه” في مضاعفة القوة البشرية لداعش مرتين أو ثلاثة. ومن المستحيل الحفاظ على تلك الهالة، لا سيما مع بداية موجة الانشقاقات داخل التنظيم.

الأصول المالية التي يعتمد عليها داعش تتعرض بوضوح لمرحلة ذبول، بالرغم من عدم وجود احتمال بتلاشيها تماما. الانهيار المالي لداعش في الموصل وغيرها من المناطق قلص نظام الضرائب والابتزاز الأشبه بالمافيا الذي يمثل المصدر الأكبر للدخول المالية للتنظيم.

وعلاوة على ذلك، تقصف الولايات المتحدة بشكل ممنهج مصافي النفط في شمال سوريا والعراق، وتشدد العقوبات الدولية على أي مساعدات للتنظيم.

وفي ذات الأثناء، يعتري الهبوط أسعار النفط، بما يعني أموالا أقل يستطيع داعش تجميعها، وتناقص القدرة على توفير خدمات اجتماعية للأعضاء، والدفع للمقاتلين، بما يضيف إلى حالة الاستياء الداخلي، ويثبط الفصائل الأخرى عن الانضمام.

بطء أو انعكاس مسار تقدم التنظيم في الجبهة الأمامية يهدد ذات النموذج الذي بني عليه التنظيم، فعندما يتبين ان داعش لم يعد يحقق توسعات، ويوزع غنائم الحرب على مقاتليه، فإن ذلك يضع نهاية لما سماه إيكارت وورتز «مخطط بونزي للنهب».

وبالإضافة إلى ذلك، فإن نظام المراقبة والقصف الأمريكي يجعل من المستحيل على التنظيم التصرف كدولة، عبر هروب المؤسسات والقيادات تحت الأرض، وإنكار الهيبة التي سعى إليها بإطلاق لفظ خلافة، كما يشوش على قدرة التنظيم في تحريك قواته. ويؤثر التناقص في قدرة التنظيم على الحركة على استقرار المناطق التي تقبع تحت سيطرته.

وسواء يمتلك داعش 10 آلاف أو 50 ألف مقاتل، فإن ذلك يمثل عددا أقل كثيرا مما ينبغي للمحافظة على انضباط الملايين من سكان المناطق الممتدة عبر العراق وسوريا، وكذلك الموصل والمدن المجاورة.

واتكأ داعش على أربعة عوامل هي الدعم المحلي بعدد كاف قادر على مراقبة سكان المناطق الواقعة تحت سيطرته، وتطبيق سياسة الاسترضاء والتعاون مع قوى مؤثرة محلية مثل العشائر والفصائل المسلحة ورجال الأعمال، والانشغال الشعبي المسبق بالأعداء الخارجيين كالشيعة والأكراد والبعثيين والأمريكيين.

أما العامل الرابع فتمثل في القدرة على تنفيذ عمليات انتقامية شديدة القسوة ضد أي مدينة تخرج عن نطاق السيطرة، كما حدث عندما أرسل التنظيم مسلحين لقتل مئات من أعضاء قبائل متمردة شرق سورية العام الماضي.، لكن بات تنفيذ مثل هذه الحملات الانتقامية أكثر صعوبة وخطورة منذ أغسطس 2014.

وتسعى الولايات المتحدة أيضا إلى قطع خطوط الاتصالات داخل مناطق أساسية يسيطر عليها التنظيم، وتحديدا في الموصل ودير الزور والأنبار والرقة وشرق حلب. وتعطل القوات الكردية حركة المرور بين الموصل وسوريا عبر تواجدها في جبل سنجار والقامشلي، كما أضافت هجمات كوباني ضغوطا على الطرق والنقاط الحدودية في سورية.

وإذا تمكنت القوات الشيعية من السيطرة على تكريت، كما يبدو محتملا الآن، ستكون بذلك قد أمنت النصف الجنوبي من طريق 1 السريع بين بغداد والموصل، وهو ما قد يسمح للقوات الشيعية والكردية بمهاجمة مدينة الحويجة القابعة شمال العراق، ثم زيادة الضغط لاحقا على الموصل عبر إرسال قوات من بغداد مباشرة.


لماذا ستستمر «الدولة الإسلامية» في القتال؟

تسعى الوﻻيات المتحدة لقطع خطوط الاتصال داخل المناطق الأساسية التي يسيطر عليها التنظيم في الموصل ودير الزور والأنبار والرقة
رغم الخسائر التي مني بها التنظيم إﻻ أنه حقق بعض التقدم كما يلوح أمامه بعض الأهداف الناعمة في ليبيا ولبنان والأردن ومصر

رغم الخسائر التي مني بها داعش، لكن ذلك لا يعني أنه في سبيله للتلاشي أو غلق أبوابه فقد حقق أيضا بعض التقدم، وإن كان على نطاق أقل، في أماكن مثل غرب العراق، وشرق حمص، والصحراء الشرقية، كما لا زالت هناك فاكهة يمكن قطفها في مناطق الصراع بسوريا.

وبرغم الانتصارات الأخيرة التي حققتها الحكومة العراقية، إلا أنها على شفا كارثة اقتصادية جراء انهيار سعر النفط. ويلوح أمام داعش المزيد من الأهداف الناعمة في ليبيا ولبنان، وكذلك التطلعات التي يسيل لها لعاب التنظيم في الأردن ومصر، ونيجيريا.

ولا يمكن لأحد أن يستخف بقدرة «الدولة الإسلامية» على تكييف نفسه في الظروف المعاكسة. إنه قوة مرنة وقاتلة وتعرف ما يقف ضدها. وعلاوة على ذلك، اكتسب قيادات التنظيم خبرة تمتد لعقد من الزمان من العمل في ظروف وعرة. بالإضافة إلى أنهم أحد أكثر الممارسين لحرب العصابات مهارة في العالم في ظروف هيمنة جوية معادية.

ولم تستطع الولايات المتحدة على نحو حاسم أن تكسر الجهاديين السنيين في العراق وقتما كانت تحتل الدولة الأسيوية بـ 14 ألف جندي، وبالتالي ستواجه واشنطن صعوبات أكبر في تحقيق مهمتها، لا سيما في ظل غياب قواتها البرية.

وبالرغم من الإجراءات التي اتخذت لضبط الحدود والحركات الجوية والتحويلات المصرفية الدولية، إلا أن الداعمين الأجانب في الشرق الأوسط وأوروبا سيستمرون في تغذية داعش بمقاتلين متطوعين أشداء، وانتحاريين، وتمويلات مالية.

الشيء الأكثر أهمية الذي ينبغي تذكره هو أن داعش يمثل نتاجا للصراعات في العراق وسوريا، وكلما استمرت الصراعات الطائفية، كلما استمر التنظيم في إيجاد متطوعين في المناطق السنية المحرومة، والتي يتعرض أهلها لممارسات وحشية، بحيث يصبح لقب “المحارب المقدس” الوظيفة الوحيدة المتاحة، مع انعدام فرص التعايش السلمي في ظل وجود الحكام المستبدين في دمشق وبغداد.

وبالفعل، فإن الانتصارات الأخيرة التي حققتها قوات الشيعة والأكراد تميل إلى الثأر الطائفي، دون أي محاولات جادة للتصالح مع المجتمعات السنية، أو تأسيس نظام مستقر. وبعد الفظائع الطائفية وعمليات الاضطهاد الجماعي التي مارسها داعش ضد غير المنتمين للسنة عام 2014، تحولت دفة الفظائع الآن ضد سكان السنة المحليين، تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، وهي جميعها ممارسات مشجوبة أخلاقية وليست بناءة.

خوف السنة مما قد يحدث لهم بعد داعش قد يحافظ على استمرار التنظيم. خسارة تنظيم الدولة الإسلامية هيمنته على المناطق السنية في سوريا والعراق لن تهم في ظل عدم وجود أحد قادر على الفوز.

المصدر