خلال السطور التالية نحاول تقديم خريطة للسياسة الخارجية العُمانية، وذلك من خلال التركيز على أهم دوائر السياسة العُمانية وسماتها، بالإضافة إلى السياسة العُمانية الإقليمية، وبشكل خاص بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، وكذلك ارتباطاتها العالمية، ونقصد بشكل أساسي الارتباط بالولايات المتحدة وبريطانيا.


دوائر السياسة الخارجية العُمانية

تهتم السياسة الخارجية العُمانية بالعديد من الدوائر، وكغيرها من الدول، اضطلع كل من التاريخ والجغرافيا بلعب الدور الأبرز في تحديد هذه الدوائر وتحديد مدى أهميتها بالنسبة للعُمانيين.

تُعتبَر الدائرة العربية الإسلامية هي الدائرة الأبرز في الأجندة الخارجية لعُمان، وقد ساهم الموقع الإستراتيجي في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية في ترسيخ اهتمام عُمان بالتعامل مع جيرانها العرب في الشمال والغرب؛ إذ أن البلاد مُحاطة بالمياه من الشرق والجنوب.

وقد أتى النظام الأساسي العُماني على ذكر هذا البُعد العربي الإسلامي من خلال النص على أن «سلطنة عمان دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة عاصمتها مسقط». كما أن السلطنة انضمت إلى جامعة الدول العربية في العام 1970، وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي في 1972. وتتعلق هذه الدائرة في السياسة العُمانية بشكل أساسي بمنطقة الخليج بجناحيها، الجناح العربي والجناح الإيراني.

تعتبر الدائرة العربية الإسلامية هي الدائرة الأبرز في الأجندة الخارجية لعمان وساهم موقعها الإستراتيجي في ترسيخ اهتمامها بالتعامل مع جيرانها العرب

أمّا الدائرة الثانية، فهي الدائرة العالمية. ونقصد بالدائرة العالمية في هذا الإطار الإرتباط بالقوى العالمية أو الدولية، وقد ارتبطت عُمان بشكل كبير ومنذ زمن بعيد بكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وسيتم تناول هذه الدائرة بشئ من التفصيل.

وبالنسبة للدائرة الثالثة، فهي تتعلق بشكل أساسي بالارتباط بالدول المطلة على المحيط الهندي؛ فقد ارتبطت عُمان بعلاقات قديمة بدول شرق أفريقيا، الساحلية، بالإضافة إلى علاقات بدول وسط القارة كبوروندي وأوغندا، وقد كانت التجارة هي المجال الأساسي لهذا الارتباط، وذلك أمر منطقي نتيجة إطلال عُمان على ساحل خليج عُمان وبحر العرب ووقوعها على طرق هامة من طرق التجارة البحرية بين آسيا وأفريقيا.

بل وتشير المصادر التاريخية إلى أن البلاط العُماني قد تم نقله في فترة من الفترات، 1832 أو 1840 حسب المصادر المختلفة، إلى شرق أفريقيا.

ومؤخرا، ساهمت عُمان إلى جانب ستة دول أخرى تطل على المحيط الهندي في إطلاق رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي وتضم رابطة المؤسسين إلى جانب السلطنة كل من موريشيوس، والهند، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، وسنغافورة، وكينيا. غير أن الرابطة حاليا تضم ثمانية عشرة دولة. و تهدف الرابطة بشكل رئيسي إلى تحقيق التعاون الاقتصادي وصولاً إلى مرحلة تحرير التجارة البينية.


عُمان والخليج العربي

تُعتبر عُمان من الدول الست المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي في 1981، وهي تحتفظ بعلاقات جيدة مع جيرانها العرب في كثير من الأحيان. وهذا الانخراط في المجلس والاحتفاظ بالعلاقات الجيدة مع دوله يضمن لسلطنة عُمان بعض الدعم الذي يوجهه المجلس لها. خصوصا في الجانب الاقتصادي الذي يزداد تدهورا بسبب تراجع عائدات وإنتاج النفط في السلطنة؛ فقد أشارت إحصاءات 2013 إلى أن قطاع النفط والغاز قد مثّل ما نسبته نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 86% من إيرادادت الحكومة.

وكذلك انتشار البطالة، خصوصا مع وجود ما نسبته نحو 56% من العُمانيين في سن أقل من 25 سنة وهم بحاجة إلى فرص للعمل، إضافة إلى انتشار الفساد والذي على إثره تمت إقالة و محاكمة بعض رموز الحكومة في عُمان، وهو ما ظهر جليا في2011 بعد خروج الاحتجاجات في شوارع السلطنة حين خصصت دول الخليج 10 مليارات دولار لمساعدة عُمان على تحسين أوضاعها.


رؤى متباينة

وبالرغم من ذلك، فإن لعُمان مواقف متحفظة كثيرة على بعض السياسيات والتحركات داخل المجلس، وكثيرا ما أعلنت رؤى مخالفة لرؤى دوله على الساحة الإقليمية. والشواهد على هذه التحفظات والاختلافات كثيرة.

ففي حين وقفت دول الخليج إلى جانب صدام حسين في حربه مع إيران في الثمانينات،دعّمت سلطنة عُمان من علاقاتها مع إيران وتوسطت أخيرا في وقف إطلاق النار بين الطرفين، كما أن عُمان قد انسحبت من مشروع الوحدة النقدية الخليجية منذ 2006 لأسباب اقتصادية، غير أن بعض المحللين يرون أن الأسباب سياسية في الأساس وليست اقتصادية.

كما رفضت عُمان، عبر وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي، طرد سوريا من الجامعة العربية على أساس أن ذلك يصب في مصلحة داعش والنصرة وأن الوساطة والحل السياسي هما الأفضل.

لعُمان مواقف متحفظة كثيرة على بعض السياسيات والتحركات داخل مجلس التعاون الخليجى وكثيرا ما أعلنت رؤى مخالفة لرؤى دوله على الساحة الإقليمية

وفي الوقت الذي سحبت فيه كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائهم من قطر، أبقت عُمان على سفيرها في الدوحة و ساندت جهود الوساطة الكويتية.

و مؤخرا، شاركت دول الخليج الخمس الأخرى في عملية عاصفة الحزم في اليمن، بينما بقيت عُمان مغردة خارج السرب تحاول لعب دور للتهدئة من بعيد وبقيت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تغلق سفارتها في صنعاء وتنقلها إلى عدن.

أمّا أسباب هذا الخط العُماني المخالف للخط الخليجي، السعودي بشكل خاص، بشكل كبير، فيمكن إرجاعه بشكل أساسي إلى ثوابت السياسة العُمانية وجنوحها إلى الهدوء والنأي بالنفس عن الصراعات والارتباط بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف.

كما يمكن في هذا الإطار الإتيان على ذكر اختلاف التركيبة المذهبية بين عُمان، ذات الأغلبية الإباضية، وبين جيرانها الخليجيين، ذوي الغالبية السُنّية السلفية، ومخاوف عُمان من توسع النفوذ السلفي فيها، خصوصاً مع خروج أحاديث عُمانية متخوفة من هذه النقطة تحديدا ومشيرةً إلى عمل بعض الشخصيات الدينية السعودية على نشر المذهب الوهابي والفكر السلفي في البلاد.

بالإضافة إلى غياب الثقة مع بعض دول الخليج، كالإمارات، التي تم إعلان القبض على خلية تجسس تابعة لها في 2011 كانت تهدف للتجسس على الحكومة والجيش العُمانيين، وهو الأمر الذي تظهر في خلفيته المشكلات القديمة بين الطرفين وأبرزها الخلافات الحدودية حول مناطق شبه جزيرة مسندم الإستراتيجية على مضيق هرمز وواحات البريمي، التي كانت للسعودية هي الأخرى مطالب فيها.

وتظهر إيران في هذا المشهد كعامل دافع لعُمان للحفاظ على الخط العام لسياستها؛ فعُمان لا ترغب في توتير العلاقات مع إيران، خصوصا وأنها تحتفظ معها بعلاقات جيدة بعكس دول خليجية أخرى، على رأسها المملكة السعودية. وقد أشار يوسف بن علوي إلى هذا الأمر بوضوح عندما تحدث عن أنه «ليس من المصلحة أن نجتمع نحن العرب في الخليج لمعاداة دولة مثل إيران لأن خسائرها علينا تكون هائلة».

والجو العام الطائفي في الإقليم والتخوف العُماني من اتساع النفوذ السعودي في دول الخليج يجعلان من الصعب على عُمان الانخراط في أي من التحركات السعودية خصوصا، لأنها ستُفهَم بلا شك على أنها تحركات ضد إيران، وهو ما لا يساعد بدوره على الحفاظ على علاقات السلطنة بإيران كما ترغب السلطنة. وتؤكد على هذه النقطة تصريحات دبلوماسي عُماني سابق وصفت مساندة السعودية لجماعات مضادة لحلفاء إيران ونفوذها في المنطقة ومحاولات إدخال مجلس التعاون فيه بأنه «مشروع طائفي لمواجهة إيران».


مشروع الاتحاد الخليجي

مثّلت دعوة العاهل السعودي السابق، الملك عبد الله، في قمة الرياض في ديسمبر 2011 بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد الخليجي نقطة بارزة في تاريخ التعاطي العُماني مع مجلس التعاون. فبالرغم من أن النظام الأساسي لمجلس التعاون قد نص منذ البداية على أن هدف هذا التجمع الخليجي هو الوصول في النهاية إلى حدة هذا الدول، إلّا أن الموقف العُماني على لسان يوسف بن علوي قد جاء رافضا بشكل قطعي لهذه الفكرة، بل والتهديد بالانسحاب من المجلس في حال الشروع في اتخاذ إجراءات الوحدة.

والجدير بالذكر أن الموقف العُماني منذ فترة طويلة غير محبذ لمشروع الوحدة؛ فقد صرّح السلطان قابوس في 1986 بأن «الرؤية العُمانية هي نفس الاسم للمجلس، المجلس هو للتعاون، وهو ليس اتحادا»، واستتبع ذلك بقوله بأنه لا يستطيع التكهن بأن المجلس قد يتحول إلى اتحاد في مرحلة لاحقة أم لا، ونوايا السلطان في هذا التصريح واضحة ولم تزد تصريحات ابن علوي في منتدى المنامة الأمني بشأن رفض دعوة الاتحاد إلّا أنها جعلت الأمر قاطعا وأكثر وضوحا.

وتصلح أسباب تباين المواقف العُمانية بشكل كبير مع المواقف الخليجية، التي أوضحناها سلفاً، لتفسير هذا الموقف العُماني السلبي من فكرة الوحدة، وبالإضافة إلى هذه الأسباب يمكن إضافة نقاط أخرى.

يدفع تباين الأولويات والمصالح والأهداف العُمانية مع نظيراتها الخليجيات في اتجاه الإبقاء على الحد الأدنى من الانخراط في مجلس التعاون دون تطوير؛ فعلى سبيل المثال، في حين أن القوى الخليجية، السعودية والإمارات وقطر، انخرطت بشكل كبير في تفاعلات المنطقة، وخصوصا الربيع العربي، بقيت عُمان أكثر تحفظا ولم تخرج عنها مواقف واضحة.

هذا بالإضافة إلى اختلاف النهج العُماني بشكل كبير عن النهج الخليجي، السعودي البحريني بشكل خاص، تجاه نفس القضية؛ فبخلاف الدولتين السابقتين، لا ترى عُمان في إيران مصدر تهديد كبير لها، وأن الطريقة المثلى للتعامل مع إيران هي التواصل والانفتاح وليس الصدام والصراع.

وهذه النقطة الأخيرة تنقلنا إلى نقطة أخرى، فانضمام عُمان إلى مجلس التعاون في بداية الثمانينات تم بشكل رئيسي لدرء الأخطار التي كانت تحيط بالدول الخليجية، ومن ضمنها عُمان، خلال هذه المرحلة، وبشكل خاص الثورة الإسلامية في إيران في 1979 والتي تبعها حالة من عدم اليقين لدى عُمان في البداية، ولكن سرعان ما عادت العلاقات مرة أخرى بين الطرفين إلى حالتها الجيدة، وأما وأن العلاقات بين الطرفين قد بقيت جيدة لفترة طويلة، فإنه لا يوجد سبب لتطوير المجلس إلى حالة الاتحاد، خصوصا وأنه سيُفهم وأنه إجراء ضد طهران.

وهذا الموقف العُماني يتسق بشكل كبير مع التوجه العُماني الأكبر الذي يرفض إدخال أي تطوير حقيقي في عمل المجلس، خصوصا في المجالات العسكرية، وهذا ما أشار إليه ابن علوي بقوله «إذا كانت هناك ترتيبات أخرى أو جديدة لدول المجلس نتيجة للصراعات الموجودة أو المستقبلية فنحن لسنا طرفا فيها ولن نكون»، كما يرى بأنه «ينبغي علينا أن ننأى عن الصراعات الإقليمية والدولية».

وبالإضافة إلى ذلك، فإن حكام دول الخليج بشكل عام، وعُمان جزء منها، لديها إشكاليات وتحفظات كبيرة على فكرة الخضوع لطرف أو لسلطة أخرى في حين أنهم يتمتعون الآن بحكم مطلق في بلادهم، باستثناء الكويت التي يوجد فيها بعض القيود على الحاكم.


عُمان وإيران العلاقات الفريدة

يعد الموقف العُماني غير محبذ لمشروع الوحدة حيث صرح السلطان قابوس في 1986 بأن الرؤية العُمانية هي نفس الاسم لمجلس التعاون فهو للتعاون وليس اتحادا

تُعتَبَر العلاقات العُمانية الإيرانية نموذجا فريدا للعلاقات بين إيران والدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، وقد لعبت فيها الطبيعة الهادئة لسياسة العُمانية ومبدأ الانفتاح على الجميع دورا هاما في وصولها إلى هذه الدرجة من التعاون والارتباط.

وبالرغم من كافة الصعوبات التي تواجه عُمان للحفاظ على هذه العلاقات، مثل ضغوط بلاد خليجية كالسعودية على عُمان وحدة الصراعات الإقليمية بين إيران والسعودية في المنطقة، فإن عُمان قد استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة للحفاظ على علاقتها مع إيران في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على علاقاتها مع كل من دول مجلس التعاون والولايات المتحدة وبريطانيا.

ساهمت إيران بشكل كبير في ترسيخ حكم السلطان قابوس في البلاد بعد أن بادرت بالإعتراف به حاكماً لعُمان بعد إزاحته لأبيه في 1970، ثم ساعدته في إخماد ثورة ظفار التي واجهته في بداية حكمه من خلال إرسال قوات إلى عُمان. ويذهب البعض عند تحليله لأسباب العلاقات الجيدة بين عُمان وإيران إلى الإستعانة بهذه المساعدة الإيرانية وأن السلطان قابوس قد حفظ الجميل لإيران وأبقى على علاقته الجيدة بها.

ومع إمكانية أن يكون هذا صحيحاً بعض الشئ، لكنه لا يرقى إلى أن يكون سبباً جوهرياً في الحفاظ على العلاقات بين الطرفين خلال كل تلك الفترة السابقة، بل إن هذه المساعدة في ذاتها قد تمت في ظل نظام الشاه وليس في عصر نظام الثورة الإسلامية التي تحكم الآن في إيران، كما أن الشاه قد قام بها لأن خصوم قابوس كانوا من الشيوعيين، في حين أن الشاه كان من حلفاء الولايات المتحدة التي كانت لديها حساسيات كبيرة تجاه التمدد الشيوعي أثناء فترة الحرب الباردة.

ويمكن القول أن أبرز الأسباب التي ساهمت في الحفاظ على هذه العلاقات الجيدة بين الطرفين تتلخص في التوجه العام للسياسة العُمانية في ظل حكم قابوس من انفتاح على مختلف الأطراف والنأي بالنفس عن الصراعات والمصادمات، بالإضافة إلى رغبة عُمان في الحفاظ على حركة مرور السفن في مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يمر منه نحو 40% من نفط العالم المنقول بحراً. كما أن عُمان ترغب في الهدور مع إيران كذلك لتسهيل التعاون في استخراج الغاز الطبيعي من بعض الحقول المشتركة بين الدولتين.

استطاعت عمان تحقيق المعادلة الصعبة للحفاظ على علاقتها مع إيران في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على علاقاتها مع دول مجلس التعاون وامريكا وبريطانيا

وقد بلغت العلاقات مستويات جيدة للغاية بين الطرفين، وعملت عُمان على تدعيم هذا التوجه بشكل كبير، وهذا يظهر في تمثيل السلطنة للمصالح الإيرانية في بعض البلاد التي لا يوجد لإيران فيها تمثيل دبلوماسي مثل كندا، كما كان السلطان قابوس أول زعيم عربي يزور طهران بعد تولي روحاني للسلطة في أغسطس 2013، وعُمان كذلك كانت هي الوجهة الإقليمية الأولى لروحاني.

وقامت عُمان كذلك برفض الإنخراط في مشروع مظلة دفاعية أمريكية لحماية أمن الخليج، قبل أن توقع في 2009 اتفاقية للتعاون الأمني مع إيران، واتفاقية أخرى مشابهة في 2013، بالإضافة إلى مناورات بحرية مشتركة في مضيق هرمز.

كما كان لعُمان دور بارز في إحداث التقارب بين الغرب وإيران بخصوص البرنامج النووي الإيراني وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة من خلال الإسهام في انطلاقة المفاوضات بين الطرفين واستضافة محادثات سرية بين إيران والولايات المتحدة.

وقد صرّح السلطان قابوس في 2012 بأنه «على إيران والولايات المتحدة أن يجلسا معاً ويتحدثا»، وبعد ذلك سلّم السلطان قابوس رسالة من الرئيس روحاني إلى أوباما في 2013.

ذلك على أساس أن الدفع باتجاه المفاوضات يحقق مصلحة عُمانية كبرى بسبب إبعاده لشبح الحرب عن المنطقة في وقت تصاعدت فيه تصريحات و تهديدات إيرانية بتلغيم واعتراض السفن في مضيق هرمز، كما أن الحرب كانت ستضع عُمان في موقف شديد الحرج، مع إيران الجارة إذا وافقت على استخدام أراضيها لضرب إيران، أو مع الولايات المتحدة والغرب إذا رفضت استخدام أراضيها لضرب إيران.

وقد أدّت الجهود العُمانية في النهاية إلى تحقيق دفعة كبيرة في مسار المفاوضات، انتهت بالتوصل إلى اتفاق 15 يوليو الماضي.

وفي الجانب الاقتصادي أيضاً كان التعاون حاضراً بشكل كبير؛ فقد تم تدشين خط ملاحي بين الدولتين بين مينائي بندر عباس الإيراني وصحار العُماني، ويُتوقع من هذا الخط أن يضاعف التبادل التجاري الذي يُقدّر بنحو مليار دولار فقط.

كما أن عُمان قد أبرمت مع إيران اتفاقاً لاستيراد نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنوياً، وفق أحاديث إيرانية حول نية استخدام عُمان كمركز لتصدير النفط الإيراني، كما تم الاتفاق على بعض الاستثمارات المشتركة في حقول الغاز التي يشترك فيها البلدان.

ناهيك عن أن إيران تبدو عازمة على استغلال موقع عُمان الإستراتيجي للإنطلاق نحو أفريقيا، التي تزايد الدور الإيراني فيها في الفترة الأخيرة؛ فقد أعلنت إيران عن استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار في ميناء الدقم العُماني ومشروعات بنية تحتية أخرى في عُمان.

وفي محاولة لتعميم مبدأ الاعتماد المتبادل كوسيلة لضمان الاستقرار في المنطقة، حاولت عُمان في مرحلة سابقة طرح مشروع للتجارة الحرة بين مجلس التعاون وإيران.

غير أن كل هذا لا يعني أن العلاقات بين عُمان وإيران لا يشوبها التوتر في بعض الأحيان؛ فعُمان تدرك أن إيران قد تشكل خطراً عليها هي الأخرى، لكنها ترى أن الأسلوب الأفضل لاحتواء هذ االخطر الإيراني يكمن في الإنخراط معه وليس الصدام، وهذا لم يمنع عُمان من توطيد علاقاتها بالولايات المتحدة وتوفير حماية استراتيجية لنفسها من خلال التعاون العسكري معها.

فعلى سبيل المثال يقول أحد الدبلوماسيين العُمانيين السابقين،سيف المسكري، أن التلميحات الطائفية القادمة من إيران تمثل مشكلة، كما تفعل بعض التصريحات السلفية القادمة من السعودية.

وقد شهدت العلاقات توترات إبّان حرب الخليج الثانية حين اعترضت إيران ناقلات النفط في مضيق هرمز ونشرت صواريخ مضادة للسفن بالقرب من المضيق، وهو ما دفع السلطنة إلى تكثيف تواجدها العسكري هي الأخرى حول المضيق. وشكّلت التهديدات الإيرانية حول مضيق هرمز مبعث قلق لعُمان، وهو ما دفعها للعب دور كبير في عملية المفاوضات، كما أسلفنا.

في الجزء الثاني نستكمل الحديث عن السياسة الخارجية العمانية، متناولين سماتها الأساسية ومستقبلها.